منذ اللحظة الأولى التي وطأ فيها رجال القوات المسلحة أرض وشوارع القاهرة وغيرها من المحافظات التي اندلعت بها أحداث الثورة المصرية ، والشعب يحتفي بهم ويهتف لهم دون كلل أو ملل.. وعن حب حقيقي وثقة عميقة لا ينكرها سوى أصحاب الأجندات.. لدرجة التصفيق والتهليل بهستيرية في ميدان التحرير مع مرور المروحيات فوق رؤوس المتظاهرين علي بعد أمتار قليلة منهم.. هاتفين: الجيش والشعب .. إيد واحدة.. رغم ما قاله الصحفي والمحلل السياسي الشهير “روبرت فيسك” في “الإندبندنت” الإنجليزية بعد ذلك، بأن تلك المروحيات كانت قد أخذت أمرا من الرئيس المخلوع بفتح النار علي المتظاهرين.. ولكن الحمد لله قدر ولطف وعصي الضباط تلك الأوامر الغبية.. خلاف تغاضي الجميع عن الثغرة التى سمح بها الجيش لدخول بلطجية الأمن بالجمال والخيول، وسط المتظاهرين السلميين بالميدان يوم الأربعاء الأسود والشهير ب ” موقعة الجمل”.. واتفق الكل علي أن الجيش تم توريطه في المسألة ووقع في حيرة، عندما شاهد معركة تقع بين فريقين كلاهما مصري، فوقف علي الحياد.. هكذا اقتنعنا وبلعناها.. وهتفنا ثانية: الجيش والشعب .. إيد واحدة. وسائل الإعلام أيضا شاركت في الاحتفاء بموقف الجيش المصري الوطني بحماية المتظاهرين، منذ البيان الأول الذي أذاعه الجيش بعد نزوله الشارع.. بغض النظر عن أن ما قام به الجيش هو واجبه أصلا تجاه هذا الشعب .. أفليس مهمة الجيش الأولى هي حماية الشعب والدفاع عن مصالحه؟.. ولكن دعنا من مصادرة الاحتفاء بهؤلاء الرجال الشجعان، ولنعتبره تحفيزا لهم على مواصلة الوقوف قي صف الحق ضد الطغيان.. وخلينا في الأهم. الملاحظ في العناوين الضخمة التى تخرج علينا علي الصفحات الأولى للصحف المصرية بمختلف توجهاتها، منذ نزول الجيش للشارع، هو تقديم الجيش علي الشعب في كل العناوين.. الجيش والشعب.. إيد واحدة.. وليس العكس..ولم تختلف صحيفة عن شقيقتها في تلك الرؤية.. ومؤكد أن الموضوع ليس صدفة.. فعلى الرغم من أن كل الكتابات والموضوعات تتحدث عن وطنية الجيش المصري وموقفه البطولي في حسم الثورة لصالح الغلابة دول..معترفين بأن الجيش من الشعب ومهمته الأولى خدمة مصالحه وليس مصلحة النظام.. أي نظام.. إلا أنك تجد أن العناوين تقول .. الجيش والشعب وليس العكس وهو الصحيح والأوقع والمطمئن لمن يؤمن ويتغذى علي نظرية المؤامرة من أمثالي. بعد تنحي مبارك عبر خطاب سليمان، وتحول الصحف القومية وغيرها التى تأكل علي كل الموائد إلى مدافع شرس عن الثورة والثوار وكنتاكي، بعدما تأكدت من رحيل سيدها الأزلى وقارئها الأوحد، ارتفعت نغمة الجيش والشعب.. برضه وفي مقابل مهاجمة تلك الصحف للرئيس المخلوع وفتح ملفات الفساد لرجاله ، والتى كان يعرفها الجميع ماعدا هؤلاء الكتبة، ارتفعت نغمة الجيش والشعب لأعلي سقف.. فأصبحنا نري من وجهة نظرهم أنه ما كانت لتلك الثورة أن يكتب لها النجاح إلا بفضل توجيهات السيد الرئيس.. عفوا قواتنا المسلحة.. وأصبح كل ما يقوم به الجيش من قرارات وتصرحات وبيانات عين العقل ، حتى ولو اعترض عليه أغلب من كانوا في التحرير ويأكلون الكنتاكي.. حتى مطالب المظاهرات الفئوية التى خرجت من كافة القطاعات والنقابات أصبحت ” مش وقته خالص” بحسب بيان القوات المسلحة الأخير وبتأكيد نفس تلك الصحف.. بينما زيادة رواتب رجال الشرطة للضعف وقرار عدم محاكمة المشتركين منهم في جرائم قتل علنية ضد متظاهرين عزل بات أمرا ثانويا.. لدرجة أنى بدأت أرى في بعض كتابات رؤساء تحرير هذه الصحف “فرعون” جديد يصنع وتمثال يقام ليعبد وكأنهم لا يستطيعوا العيش دون سيد يخدمونه.. ناسين أو “مستهبلين” أن السيد الأول والأولى والأحق بخدمته هو الشعب .. الذي من المفترض أن يكون صاحب السيادة في تلك المسألة برمتها ، إن لم يكن لأنه ” مصدر السلطات” فلنتذكر أنه الوحيد الذي دفع الثمن طوال 30 عاما من القمع والفقر ، والوحيد الذي قدم الشهداء ونام في العراء طوال 18 يوما لينال حريته وحقه في العيش بكرامة. وأخشي ما أخشاه أن نجده هؤلاء يستمرون في تلك النغمة حتى يتحول الشعار إلى ” الجيش والصحافة القومية..إيد واحدة.. وراح الشعب في شربة ميه.