في إطار الذكرى الثانية لجمعة الغضب 28 يناير 2011 رابع أيام الثورة المصرية، والتي كانت أول مسمار في نعش النظام السابق والتي قضت على حكم الرئيس مبارك، حيث تميز هذا اليوم بأن الثورة المصرية في أول ثلاثة أيام بدأت بمشاركة النخبة من المثقفين وطلبة الجامعات وشباب الإنترنت وأيضًا الحركات المعارضة مثل حركة 6 إبريل والجمعية الوطنية للتغيير ونقابة الصحفيين، بينما جمعة الغضب كانت بداية مشاركة القوى الوطنية الأخري لأول مرة مثل الأحزاب والعمال والموظفين، بالإضافة إلى جموع المصلين في المساجد الكبري بجميع المحافظات، الذين خرجوا بعد انتهاء صلاة الجمعة وملؤوا جميع الميادين؛ مطالبين برحيل الرئيس مبارك. بدأ هذا اليوم منذ الواحدة ليلاً، حيث تم اعتقال العديد من النشطاء والسياسين والأحزاب التي أعلنت مشاركتها في المظاهرات، ومع الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم أصدرت وزارة الاتصالات أمرًا بقطع خدمة الإنترنت، وووقف شبكات الاتصال والرسائل القصيرة عن كل الجمهورية . وبعد أداء صلاة الجمعة شهدت مصر تظاهرات شعبية واسعة في عدد من المدن المصرية, فخرج الملايين في أغلب المدن كالقاهرة والإسكندرية والسويس والمنصورة وطنطا والإسماعيلية ودمياط والفيوم والمنيا ودمنهور ومحافظة الشرقية وبورسعيد ومحافظة شمال سيناء مطالبين بتعديلات في سياسة مصر ورافضين سياسة القمع والرعب التي اتخذتها الشرطه المصرية منهجا لها خلال عدة سنوات سابقة. وفي حدود السادسة مغرب اليوم تقريبًا شهدت مصر اختفاءً مفاجئًا بشكل مريب لكافة قوات الشرطة من كافة أنحاء مصر، بل وشهدت أيضًا هروب العديد من المساجين والمسجلين خطر من سجون مصر الكبرى، و كان الهروب جماعيًّا وكبيرًا بالشكل الذي أكد فيه بنسبة كبيرة أن قوات الشرطة تورطت وكانت المسئولة عن هذا الهروب للرد على مقاومة المتظاهرين, وسادت حالة من الفوضى والقلق في الشوارع بسبب اختفاء كل أجهزة الشرطة وهروب هذا الكم المريع من المساجين، ثم بدأت قوات الجيش بالظهور في ميادين القاهرة، وفي السادسة والنصف أعلن الحاكم العسكري عن حظر التجوال في القاهرة والإسكندرية والسويس، لكن رغم ذلك تحدت جموع المتظاهرين حظر التجوال، وبقيت في الميادين الرئيسية، أما باقى الشوارع فقد خلت تقريبًا من الناس إلا من دوريات الجيش وقليل جدًّا من الناس. ولما ترتب على انسحاب الشرطة وخروج المساجين فوضى عارمة، وكانت هناك سرقات بالجملة حتى طالت المتحف المصري، ظهرت في مصر فكرة عمل اللجان الشعبية والتي تكونت من أهالى المناطق، حيث تكونت في كل منطقة لجنة تضم شباب ورجال المنطقة والذين تسلحوا بكل ما يمكن اعتباره سلاحًا، بداية من الأسلحة النارية إلى البيضاء إلى الشوم والعصي وحتى سكاكين المطبخ أو الزجاجات الفارغة، وانتشروا في شوارع مناطقهم على شكل دوريات لتأمين المنطقة وتعويض دور الشرطة المفقود وعجز الجيش عن تأمين كافة أنحاء البلاد، من خلال فحص تراخيص والبطاقات الشخصية لكافة الأشخاص المارين في الشوارع، سواء كانوا راجلين أو في سيارات، وتفتيش السيارات التي تمر في الشوارع للتأكد من خلوها من السلاح، ووضع متاريس تساعدهم على السيطرة على حركه المرور وللحماية من هجمات الخارجين عن القانون وعمل كمائن في الشوارع الرئيسية والهامه، وقد ساعد العدد الهائل للمتطوعين في هذه اللجان في تأمين معظم شوارع مصر، وقد نجحت هذه الفكره بشكل غير متوقع، حيث منعت سرقات عديدة فضلاً عن إلقاء القبض على عدد كبير من الهاربين من السجون، وأدت لفرض نوع من النظام في الشارع المصري، حيث إن أعضاء اللجان قسموا أنفسهم لمجموعات وورديات تساعدهم على البقاء في المهمة لمدة 24 ساعة في اليوم، بل ووصلوا لاختراع كلمات سر لضمان تسليم الوردية للأعضاء الحقيقيين للجنة، وفي بعض اللجان تم عمل شعار صغير بسيط يرمز للجنة الشعبية لتسهيل تعاونهم معًا, وقد استمرت هذة اللجان لحين خطاب التنحى يوم 11 فبراير. وانتهت أحداث ذلك اليوم بعد أن أفلتت الأمور من يد الحكومة المصرية، خاصة محافظتي السويس والإسكندرية، وذلك بخروج المظاهرات من جميع محافظات الجمهورية بأعداد تقدر بمئات الآلاف وتدمير كثير من مقرات الحزب الوطني وأقسام الشرطة في جميع أنحاء مصر، ونزول الجيش المصري محاولاً فرض الأمن على الشارع المصري، ومن ثم فرض حظر التجول، ومقتل عدد غير معلوم من المتظاهرين بأعداد بلغت في بعض التقديرات إلى ألف قتيل، بالإضافة إلى اعتقال الآلاف، وانهيار البورصة المصرية مع خسائر بلغت 72 مليار جنيه، وكان الحدث الأبرز هو دهس جموع الحاشدين بسيارات تابعة للأمن المركزي؛ مما خلف وراءهم الكثير من القتلى والمصابين بإصابات بالغة الخطورة. كان هذا هو سيناريو جمعة الغضب قبل عامين، والآن يتوجس المصريون جميعهم مخافة تكرار هذه المشاهد مرة أخرى في مصر، خصوصًا بعد الأحداث التي شهدتها البلاد، وأعلن العديد من القوى والأحزاب السياسية مشاركتها في يوم غضب جديد، لا يعلم عواقبه إلا الله. وفي هذا الصدى قال الدكتور سامح راشد خبير الشئون العربية والإقليمية بمركز الأهرام الاستراتيجي أنه يتوقع أن يحدث تصعيد للأمور، ولكن بوتيرة أقل من جمعة الغضب 2011، وربما تنتقل بؤر العنف إلى العديد من المناطق، سواء كانت في القاهرة، أو على مستوى المحافظات بجميع أرجاء الجمهورية؛ لأن كل الأحداث السابقة وما حدث من تخريب وتدمير وقتل لا تنذر بمرور هذا اليوم دون أن تكون هناك حصيلة أخرى من الخسائر، سواء بشرية أو مادية. وأشار إلى أن الحالة الخاصة التي تعيشها بورسعيد سيكون لها الدور الأكبر في تأجيج الأمور، خاصة بعد ما شهدته اليوم من إطلاق نار وغازات مسيلة للدموع على المشيعين للجنازة، وهو ما أدى إلى احتقان شديد، ربما كنا في غنى عنه؛ لأن الموقف متأزم ولا يستدعي مزيدًا من العداء والعنف، وإذا لم تكن هناك حلول مرضية وسريعة حقنًا لمزيد من الدماء، فلن يستطيع أحد السيطرة على الموقف. وأضاف راشد أن البيان الذي صدر أمس عن مجلس الدفاع الوطني لا يبشر بالخير؛ لأنه جاء فاترًا ورماديًّا، ولا يحمل في طياته أي شكل من الحسم أو الردع سواء للشرطة أو المتظاهرين، خصوصًا أن هذا المجلس جهة عليها أن تتخذ إجراءات مباشرة وليس من اختصاصها أن تصدر بيانات، وعلى الجانب الآخر نرى حاكمًا وحكومة لا يتخذان أي قرارات، ويكتفيان بالصمت ومراقبة الأحداث، وهو أمر غير مقبول، ربما يدفعون ثمنه غاليًا، ويدفع ثمنه المصريون جميعًا. وفي السياق ذاته أكد الدكتور كمال زاخر المفكر والناشط السياسي أن اليوم سيكون امتدادًا طبيعيًّا لأمس، وقال "نحن ما زلنا نرى اشتباكات وإن كانت متناثرة، وليس لها تواجد مكثف في منطقة معينة، ولذلك الوضع ينذر بحدوث مزيد من العنف، وذلك بسبب تفاقم حالة الغضب في الشارع المصري، ومازال العرض مستمرًّا، ولكن ليس بنفس الصورة التي شهدتها مصر يوم جمعة الغضب 2011". كما توقع "أن يكون اليوم مليئًا بالأحداث والصدامات؛ وذلك نظرًا لعدم وجود أي مبادرات أو حلول، والسلطة تلوذ بالصمت، ولا نرى أي قرارات حاسمة، فإن الجميع يراهن على تأجج الموقف أكثر، وحدوث تصعيد أو استمرار للمواجهات الدامية التي نراها على مستوى الجمهورية". وأضاف زاخر أن "مدى دموية اليوم سيتوقف على استمرار الصمت المريب للمؤسسة الرئاسة ورئاسة الوزراء والمؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية التي لاحظنا تعامل أفرادها بشكل أكثر شراسة، فالأمن يواجه مواجهة عنيفة ويلاحق المتظاهرين السلميين، وهو ما يرشح الأمر للتصاعد". أخبار مصر – قضايا ساخنة - البديل Comment *