ليت شعري عن أي ربيع عربي يصدع القوم رءوسنا ويتناحرون عشية وأبكارا ويسيلون دماءنا ليلاً و نهاراً ويشوهون ذاكرة الأجيال بظلال الرجال، فيما لم تهب شيئاً من رياح ذلك الربيع لتنتصر للقضية الفلسطينية أو وبأضعف الإيمان لتضرب سجن هدريم الإسرائيلي وتقتلع قضبانه وتحرر أبطالاً عظاما تطويهم ظلمات السجون من أمثال الزعيم الفلسطيني مروان البرغوثي، فربما ولعل وعسى تثوب (خماسين) ذلك الربيع إلى رشدها وتستحي خجلا مما اقترفته بحق أمتنا وتكفر شيئاً من ذنوبها بعد أن رهنت نفسها آداة طيعة في يد الطامعين والطامحين وتحولت دون أن تدري إلى وكيل شرعي للمصالح الأمريكية وخادم مطيع للكيان الصهيوني. وتبقى علامات الاستفهام والتعجب لتستثير أصحاب الألباب كصواعق الكهرباء، فلا لوم أو عتب حين يحتكم المرء إلى العقل والمنطق متوقفا لبرهة أمام ثورات وانتفاضات واحتجاجات شعبية تحرر السفاحين والمضرجة أياديهم بدماء العرب الأبرياء، وتجعل من العصابات والميليشيات وقطاع الطرق ثواراً أحرارا، وترفع تجار الدين والدجالين إلى مصاف القادة والزعماء، وتلبس الخونة عباءات المصلحين والأولياء، وتضع قضية العرب الأولى على طاولة المساومات والترتيبات الإقليمية الكبرى، فيما لا يزال الأبطال والرجال الحقيقيون في كواليس المشهد ينتظرون ويترقبون، فها هو البرغوثي ورفاقه يناضلون نضال الأحرار من أجل حرية شعبهم وأمتهم، ويخرج هذا التحدي كالرصاص الخارق للأسوار طارحا مبادرات مقاومة وسياسية ودبلوماسية تعري القوم من أرباب تفاهمات وتسويات الانبطاح خارج الأسوار، بل ويشق صدى زعامتهم المكبلة جبين الاحتلال متحديا جدار العزل العنصري في نقطة قلنديا برسم (جرافيتي) رسمه الضمير الفلسطيني والعربي اليقظ ليطلب الحرية لمانديلا الفلسطينيين، فلقد هرمنا حقا لكن من نضال الفنادق والغرف المكيفة، واشتقنا للبندقية في يد وغصن الزيتون في الأخرى. بالأمس أسف السفاح آرييل شارون على إلقاء القبض على البرغوثي حياً، لأنه كان يريده رماداً في جرة، فلعل في خيبة أمل الإرهابي الصهيوني العتيد إسقاطاً على القضية الفلسطينية بأكملها والتي يدرك أنه يعتقلها لكنه لن يبلغها تراباً منثوراً بل وللمفارقة هي التي أدركته اليوم معلقاً بين السماء والأرض عبرة لجرائمه، والظن أن شارون كان يتجرع مرارة ذكريات (الربيع العربي) والفلسطيني الحقيقي حينئذ، وقتما انتفض الفلسطينيون ومن خلفهم الحشود العربية لنصرة قضيتهم، وكبدت الكيان الصهيوني خسائر فادحة وفضحت جرائمه، فيما سقطت ورقة التوت عن الأنظمة العربية وتعرت أمام تخاذلها وعجزها عن مجاراة طموح شعوبها وإنجازات المقاومة الفلسطينية، بل سعت لاحتواء انتفاضة فلسطين العربية ومحاصرتها ولم تتورع عن المتاجرة بالدم الفلسطيني والغضب العربي في تسويات تحت إشراف المخابرات المركزية الأمريكية، ضحت خلالها بالزعيم الراحل ياسر عرفات مسموما والزعيم الأسير مروان البرغوثي مخطوفا، لتخلف لنا على الساحة طينة جديدة من ساسة الأيدي الناعمة ورواد الفنادق والمنتجعات على اختلاف شخوصهم وانتماءاتهم. قامت الثورات والاحتجاجات للإطاحة بتلك الأنظمة، لكن وللأسف ضلت الطريق ومددت التعاقد مع ما ثارت عليه بتنازلات أكبر وشروط أيسر وشرعية أكبر، فبقى كل شىء على حاله، وبقي البرغوثي بيدين مكبلتين وإرادة حرة فولاذية على ثقة بشعبه رغم كبوة أمته الجديدة فكتب من محبسه يقول "كنت وما زلت مؤمناً أن إسرائيل يمكن أن تهزم جيشاً نظامياً أو دولة ما في المنطقة، ولكنها لا تستطيع مهما كانت قوتها أن تقهر أو تهزم إرادة شعب عظيم مصمم على المقاومة"، فهل ما يزال البعض حالما بأن ذلك الصنف من البشر ممن يطيق الكيان الصهيوني دفع فاتورة حريتهم؟!!.. وهل منطقي أن تتذكر صفقات تحرير الأسرى والمبعدين عن تراب أوطانهم مثل ذلك الطراز الاستثنائي للمقاومين؟! وهل تلك الكلمات الصادقة الحارقة الخارقة مما تستقيم مع حكاية تلقفت خيوطها الولاياتالمتحدة وحولتها إلى رواية في فنون التآمر وتحويل النوايا الحسنة والأحلام الكبار إلى مقابر لأصحابها..؟!! وهل تلك الأفكار مما يتلاءم مع عهد التسويات الجديدة لأوضاع المنطقة والتي بدأت تتبخر فيها القضية الفلسطينية لتحل محلها الفوضى الخلاقة والقاعدة واليمين الديني المتشدد..؟!! قد لا أملك القول الآن إلا أن ذلك قدرنا.. فتلك هي منطقتنا.. منطقة الشرق الأوسط بلاد العجائب ومجمع الأضداد وملتقى التناقضات.. أرض الرسالات والمعجزات كما أنها أرض الخرافات والمؤامرات، لكن هل سنستسلم لذلك المنطق؟!!.. لا أعتقد. إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر والبرغوثي ليس مناضلاً فلسطينياً مقاوماً إنما فكرة.. فكرة لقضية اعتقلت ولكنها لم ولن تموت.. مهما كانت قوة أنواء الخريف وعواصفه! Comment *