يثير ما يحدث في سيناء بعد الثورة العديد من التساؤلات، وعلى رأسها ماذا يُحالك لها؟.. وقد تعددت إجابات المحللين السياسيين عن هذا التساؤل، فقد رأي فريق منهم أن هناك تخطيط إسرائيلي بأن تصبح سيناء وطناً بديلاً للفلسطينيين لتنهي تواجدهم في قطاع غزة ويدلل أصحاب هذا الرأي بأنه قد تم تمليك فلسطينيين لأراضي داخل سيناء فضلا ًعن منح حوالي 35 ألف فلسطيني الجنسية المصرية، بينما يرى فريق ثاني أن إسرائيل ترغب في إعادة احتلال سيناء ومن ثم تحاول من فترة لأخرى استفزاز الجيش المصري من خلال الاعتداء على الجنود والضباط على الحدود المشتركة, ويرى فريق ثالث أن إسرائيل ترغب في زيادة عدد القوات الدولية في سيناء عن المتفق عليه في اتفاقية كامب ديفيد، ويرى هؤلاء أن إسرائيل استخدمت جماعات إرهابية لنشر الفوضى في ربوع سيناء حتى يسهل عليها اللجوء للأمم المتحدة بطلب زيادة عدد القوات لقطع الطريق على الجيش المصري من بسط سيطرته عليها أو نشر مزيد من القوات فيها، وفي نفس الوقت لتقطع إسرائيل الطريق على مطالب ثوار مصر بتعديل بنود في اتفاقية كامب ديفيد وخاصة الجانب الأمني فيها. من الملاحظ من الرؤى الثلاث السابقة أن هناك ثمة تركيز على أن إسرائيل هي المحرك والفاعل الرئيسي للأحداث في سيناء، وأنها تتحرك في فلك فارغ على المستويين الداخلي والخارجي، فأصحاب الرأي الأول تجاهلوا أن مصر الآن تمر بثورة شعبية أبت إلا أن تحقق أهدافها وعلى رأسها تعديل اتفاقية كامب ديفيد ومن ثم من الصعب أن يقبل الشعب المصري الفاعل الأساسي في الأحداث في مصر الآن التنازل عن جزء من أرضه، فضلاً عن رفض أهل سيناء أنفسهم التفريط في أرضهم والانسلاخ عن الدولة الأم، وهذا ما عكسه بيان أبناء محافظة شمال سيناء الذين اعتصموا أمام ديوان عام المحافظة يوم 3 نوفمبر والذي أكدوا فيه على أن سيناء جزء من مصر، حيث ذكر "نهيب بالقوي الثورية سرعة الاعتراف بالمجلس القيادي والضغط الشعبي من أجل تسهيل مهمة الحفاظ عل سيناء لابقائها جزء من الدولة المصرية"، كما أن السلطة الحالية والتي تهدف للبقاء في السلطة سوف يتم الإطاحة بها من سدة الحكم لاتهامها بالتفريط في جزء غالي من أرض الوطن، خاصة أنه يصعب تكرار ما حدث مع الرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة 67 وخروج الملايين من الشعب رافضة تنحيته ومطالبته بتحمل مسئولية ما حدث بإصلاحه واسترداد الأرض، كما أن الجيش المصري لن يقبل تكرار 67 جديدة لأنها سوف تنهي مقولة أنه من أقوى عشر جيوش على مستوى العالم، هذا فضلاً عن استحالة رضوخ الشعب الفلسطيني الأبي عن القبول بأرض غير أرضه بعد كفاح امتد لعقود كثيرة، كما أن إقدام إسرائيل على هذا التصرف يصعب أن يمر مر الكرام داخلياً لأن ذلك مما لاشك فيه سوف يعيد المقاومة المسلحة ليس فقط الفلسطينية ولكن المصرية أيضاً، وهذا من الطبيعي أن يعكس فوضى داخل إسرائيل قد يصعب السيطرة عليها. ورداً على أصحاب الرأي الثاني الذي يرى أن إسرائيل تخطط لإعادة إحتلال سيناء، لم يرجع للتاريخ وخاصة حرب الاستنزاف بعد عام 1967 والخسائر التي تكبدتها، فضلاً عن حركات المقاومة التي ستظهر أيضاً، ومن الممكن أن تقضي على إسرائيل نفسها. بالنسبة للرأي الثالث يصعب الاعتراف بأن زيادة القوات الدولية حلاً لفرض الأمن في سيناء، لأن هذه الجماعات الارهابية بهذا الكم أمراً مبالغ فيه ولا يستدعي زيادة القوات ولكن يصب في ضرورة تعديل الاتفاقية بما يمكن الجيش المصري من بسط سيطرته على سيناء ولعل التصريح يوم 4 نوفمبر عن دراسة القوات المسلحة إعلان سيناء منطقة عسكرية لمواجهة حالة الانفلات الأمني يحمل رسالة واضحة بهذا الخصوص. كما أن حدوث أحد هذه السيناريوهات يحتاج إلى توافق دولي بشأنها وهو الأمر الذي يصعب توفره في الوقت الحالي، كذلك لم يعد مقبولاً تصوير الأمر في سيناء بأنه يتم إدارته من خارج الدولة المصرية، وأن مصير سيناء متوقف على كلمة من إسرائيل التي تحتمي بأمريكا، فالظروف الحالية في المنطقة يصعب معها اتخاذ أي قرار غير محسوب عقباه من قبل إسرائيل، كما أن نشر أي تصريحات من قبل مسئولين إسرائيليين أو أمريكيين في الوقت الحالي لا يخرج عن إطار الدعاية الانتخابية التي تغازل فيها القوى السياسية الناخبين استعداداً للانتخابات التشريعية في "إسرائيل" والرئاسية في أمريكا. ومن ناحية أخرى، بات واضحاً أن الفاعل الرئيسي في دول الثورات العربية وعلى رأسها مصر هو الشعب نفسه، فأهل سيناء بعد أن ضاقوا ذرعاً من كثرة الوعود والتي كان آخرها ما حصلوا عليه من الرئيس محمد مرسي، خرج المئات منهم يوم 3 نوفمبر قاطعين الطريق الدولي المؤدي إلى معبر رفح مطالبينه بتنفيذ وعوده لهم ومنها إلغاء الأحكام الغيابية الصادرة ضد أهالي سيناء، والإفراج عن المعتقلين منهم في "إسرائيل"، وتمليكهم أراضيهم، كما أعلن ثوار سيناء تشكيل مجلس قيادة للمحافظة يتألف من 25 مواطن سيناوي (17 من الشباب و6 من الشيوخ وواحد من القيادات الشعبية) لإدارة المحافظة لحين انتخاب محافظ جديد. ومن ثم فإن هذه التطورات غير المحسوبة من قبل صانع القرار تؤكد أن القرار بات في يد الشعب الذي يؤكد على قدرته على فرض مطالبه وإجبار السلطة الحاكمة على الانصياع لها. وهنا يأتي ضرورة الإجابة عن التساؤل المطروح في بداية المقال عن ما يُحاك لسيناء، وباختصار شديد يمكن القول أن هناك حالة من الهلع لدى إسرائيل من تنمية سيناء، فهي من ناحية تريد ترك سيناء في فراغ عمراني وبشري، فقرار تنميتها وتعميرها من شأنه إحداث تعمير على الحدود والتي ستكون بمثابة سداً بشرياً وكثافة سكانية وهي ما تعرف بالمدن الدفاعية والتي يصعب على إسرائيل آنذاك اتخاذ قرار الحرب بسهولة لأنها سوف تسفر عن خسائر بشرية ستتسبب في وقوف المجتمع الدولي ضدها، ومن ناحية أخرى فإن إعمال المشروع القومي لتنمية سيناء الذي أقره مجلس الوزراء عام 1994, سوف يجعل من سيناء دلتا جديدة قادرة على سد احتياجات مصر من المواد الغذائية, ومن السلع الاستراتيجية كالقمح, لو تم زراعة50 ألف فدان، وأيضاً استكمال ترعة السلام سوف يؤدي إلى زراعة حوالي 153 ألف فدان عليها، فضلاً عن ما تزخر به سيناء من ثروات ومعادن ستمكن مصر من بناء قاعدة صناعية كبيرة، حيث يوجد بها ستة أنواع من الرخام, والرمل الزجاجي, ومواد البناء كالحجر الجيري والرملة البيضاء, واليورانيوم, والصودا, وفحم المغارة, وغاز حقل الفيروز والممتد داخل البحر لأكثر من عشرة كيلو مترات, مما يعني أنه من الممكن أن تكون حقول الغاز الطبيعي في سيناء من أكبر حقول الغاز في أفريقيا. فضلاً عن الصناعات الغذائية التي تستفيد من نخيل سيناء, بالإضافة إلى إمكانات سيناء السياحية، والمشروعات التي يمكن أن تقام على قناة السويس، كل ذلك يعني مكانة مرموقة لمصر بين القوى الدولية الصاعدة وهو ما تعمل إسرائيل جاهدة دون حدوثه لأن صعود مصر كقوة اقتصادية سوف ينعكس على قوتها العسكرية ويحول ميزان القوة لصالح مصر. وختاماً، فإن قرار تنمية سيناء بات مطلباً ملحاً لم يعد أمام السلطة الحاكمة إلا اتخاذه والبدء في تنفيذه لامتصاص غضب أبناء سيناء من ناحية والثوار من ناحية أخرى، ومما يصعب استبعاده أن إسرائيل تحاول توصيل رسائل للسلطة الحالية بأنه لن يكون هناك أي تغيير في وضع سيناء يختلف عما كان سارياً من قبل النظام السابق، وأن سيناء يجب أن تظل فارغة، وبالتالي فإن تحقيق تنمية حقيقية لسيناء سوف يجعل السلطة الحالية بمنأى عن اتهامها في الداخل بالتبعية لسياسة النظام السابق ولرغبات إسرائيل، كما أن تنمية سيناء بات مطلوباً خاصة أن أراضي الدلتا لم تعد قادرة على سد احتياجات مصر الغذائية فضلاً عن استهلاك هذه الأراضي والجور عليها بالبناء، وكذلك ضرورة أن تكون سيناء نقطة إنطلاق اقتصادية لمصر، وبالتالي لابد من ضغط القوى الثورية على السلطة لتنمية وتعمير سيناء بتوطين ما لا يقل عن ثلاثة ملايين مواطن كما كان مخطط له من قبل وحل مشاكل أهالي سيناء ودمجهم في عملية التنمية الشاملة لسيناء، لأن الأحداث الأخيرة في سيناء أكدت أن أهلها قد قالوا كلمتهم بأنه لم يعد هناك سبيل عن تنمية سيناء لأنها جزء من الدولة المصرية. Comment *