منذ رفضت القيادة السورية مقترحات حزب الإخوان المسلمين الحاكم في تركيا لحل المشكلة السورية، وقادة الحزب يتنمرون ويطلقون التصريحات النارية التي عصفت بكل الانجازات الهامة والكبيرة لعلاقات حسن الجوار والتحالف بين البلدين. منذ تلك اللحظة التي أعقبت زيارة وزير خارجية تركيا الفاشلة لسوريا، وهؤلاء وحزبهم يختلقون الأسباب للقيام بلعب دورهم كمخلب قط للعدو الأمريكي الصهيوني الرجعي عبر العدوان على سوريا بصور متنوعة، لا تبدأ باستقبال المعارضة العميلة ومنحها مكاناً للتآمر على بلدها باسم المؤتمر "الوطني" ولا تنتهي بإطلاق النار عبر الحدود لتقتل وتدمر، وما بين هذا وذاك، من فتح معسكرات التدريب للإرهابيين القادمين من كل حدب وصوب، وتقديم مراكز للمتابعة والتنصت والتجسس للعديد من أجهزة الاستخبارات الغربية المعادية لسوريا وللعروبة. التدخل التركي الفظ والمتغطرس في الشأن السوري فهمه بعض المعارضين على أنه شجاعة تركية لنصرتهم وحمل قضيتهم على أكتاف حكومة أردوغان، أو باعتباره وقوفاً صلباً وقاطعاً معهم حتى ولو أدى ذلك لدخول الجيش التركي أراضي وطنهم، ليكتشفوا بعد فوات الأوان أن التهديدات التركية ووعودها للمعارضة ومقاتليها المخدوعين لا تعدو كونها دعاية سمجة وعبارات جوفاء، ولا تشي بحكمة أصحابها أو شجاعتهم، بل إنها في الحقيقة تقدم لسوريا وشعبها وصفة قذرة ظاهرها الرحمة وباطنها السم الزعاف، والنتيجة نراها اليوم في مزيد من الدم السوري المهدور ومن التهديدات والعدوان اللذين يظهرا الحقيقة للجميع، والقائلة أن تركيا مجرد بيدق بيد أمريكا وحلفائها وأنها لن تخطو للأمام في العدوان على سوريا بدون غطاء من أسيادها وضوء أخضر من تل أبيب الحليف الواقعي لها في أي حرب تخوضها ضد العرب. لقد تمادت تركيا "الأردوغانية" كثيراً في صلفها وعدوانها على سوريا، وارتفعت من بعض منابرها أصوات التهديد وصرخات الانتقام لحادث بسيط تعرف تركيا والمعارضة خاصة أن القذيفة التي قتلت العائلة التركية جاءت من طرف حلفاء تركيا، والمسلحين الذين تمدهم تركيا بالسلاح وتقدم لهم الدعم والمساندة، وقد قدمت الحكومة السورية توضيحاً لما جرى وأعلنت تضامنها مع الضحايا والأسف لوقوع الحادث انطلاقاً من أرض سورية، ومع ذلك تعالت صيحات الحمقى والموتورين في البرلمان التركي بعد تصريحات أردوغان المتطرفة لتنتج قذائف تطلق من الأراضي التركية فتقتل وتدمر في سوريا، دون أن يجتمع مجلس الأمن ليدينها وليستمر العدوان التركي بلا توقف توطئة لمرحلة جديدة من التآمر على القطر العربي السوري. والآن هل يمكن اعتبار الهجوم التركي الحالي على سوريا مقدمة للحرب أم لمزيد من تضليل الرأي العام في كل من سوريا وتركيا؟ يرى البعض أن الوقت حان للبدء في الإعداد الجدي للحرب خاصة وأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية توشك على الانطلاق، وبالتالي لم يعد هناك موجب للتأجيل أكثر حيث لا يمكن الشروع في حرب الأرجح أن تكون إقليمية شاملة وربما تستدرج تدخلاً دولياً خطيراً قبل بضعة أشهر، تكون فيها جملة من القضايا قد نضجت وجرى تجاوزها وحلها كالانتخابات الأمريكية والإسرائيلية المبكرة التي جاء الإعلان عنها في الدولة العبرية، ليضع حداً للغط الدائر حول الحرب على إيران وموعد انطلاقها، أو من أجل التمويه على الموعد الأصلي للحرب القادمة. والأهم من كل ما سبق بالنسبة لتركيا وأردوغان تقبل الشعب التركي لهكذا حرب وما تعنيه من نتائج وخيمة على المصالح التركية ودماء الشعب التركي. في ظل المعطيات الحالية فإن هذا البعض يرى حتمية وقوع الحرب ويختلفون في مدى اتساعها وما إذا كانت ستجر وراءها حرباً إقليمية أوسع نطاقاً تشمل إيران والكيان الصهيوني، وهذه فرضية يؤيد وقوعها غالبية هذا الفريق. وفي المقلب الآخر يرى محللون ومتابعون وخبراء أن الموقف التركي هو استمرار للعنجهية التركية التي برزت بعد زيارة أوغلو الأخيرة لدمشق وفشل سياسته المزعومة بعنوان "تصفير المشاكل"، ومحاولة أخيرة لمعالجة الآثار السلبية لكل السياسة التركية المتناقضة وغير النزيهة لحكومة أردوغان تجاه جارته سوريا بعد سنوات من الوفاق والانجازات المشتركة التي عادت بالنفع والخير لكلا البلدين والشعبين. الأرجح أن العدوان التركي بمعنى الدخول للأراضي السورية لاحتلال طويل الأمد أو منح المعارضة المسلحة غطاءً ومناطق آمنة أو حتى المس بالعاصمة السورية لن يكون إلا بغطاء أمريكي إسرائيلي وبدعم ومشاركة مباشرة من حلف الناتو فهل هذا ممكن الآن؟ لا أعتقد. Comment *