لا ينكر أي سينمائي أو كاتب أو صحفي أهمية مشاركة أفلام مصرية في مهرجانات سينمائية كبري، فهي لا تعني مجرد تشريف اسم مصر دولياً ولكن تعني أيضاً استمرار دور مصر في صناعة السينما العربية والتي بدأت منذ أكثر من مائة عام، وان كانت صناعة السينما مرت بعثرات كبيرة قبل الثورة ومازالت، لكن وجهة نظر العالم في مصر بشكل عام تغيرت كثيراً بعد الثورة، وان كان تمثيل مصر في المهرجانات الدولية توقف عند مشاركات المخرج الكبير يوسف شاهين بأعماله ، لكننا لا يمكننا اغفال مجهود شباب السينمائيين الذين أعادوا الي هذه المشاركة بريقها قبل الثورة من خلال أفلامهم قليلة التكلفة الطويلة والقصيرة، الروائية والتسجيلية والتي تعرف بالسينما المستقلة، وعلي رأسهم كان المخرج ابراهيم البطوط الذي طاف بفيلمه الروائي الأول "عين شمس" شرق الدنيا ومغاربها، لذا وجب التفريق بين تمثيل الافلام المصرية في المهرجانات الدولية قبل الثورة وبعدها، قبل الثورة كانت شركات الانتاج الكبري توهمنا بصور النجوم فوق البساط الأحمر في كبري المهرجانات السينمائية، والحقيقة أن هذه الأفلام لم تكن تشارك بالفعل في مسابقة المهرجانات لكن الشركات استغلت عرض الفيلم في السوق الموازي للمهرجان ودفعت مبالغ طائلة ليسير أبطالها علي البساط الأحمر، واعتبروا أن تصوير نجوم السينما علي بساط (كان) أو( فينيسيا) أو غيرها من المهرجانات الكبري هو تمثيل لمصر في تلك المهرجانات، أما بعد الثورة اختلفت الرؤية وأصبحت مهرجانات السينما في العالم تسعي لاستقطاب المشاركات المصرية بعدما بهرتهم ثورة 25 يناير، خصوصاً الأعمال التي تتحدث موضوعاتها عن ثورة يناير، وكان أولها العام الماضي فيلم " 18 يوم " ،و أصبحت المشاركة في أي مسابقة دولية لا تعني بالضرورة جودة العمل الفني أو تميزه عن باقي المشاركات. واستغل العديد من المخرجين هذا العطش الدولي لسينما الثورة وصوروا أفلاماً جاءت معظمها أعمال مشوهه، او حنجورية لا تنظر الي الثورة من خارج الإطار الذي عايشه مخرجيها وقت وقوع الحدث، حتي أصبحت معظم الأفلام سيرة ذاتية لتجربة كل صانع فيلم عن الثورة، الحدث لم ينتهي بعد ولم يستوضح تفاصيل كثيرة فيه. وقد شاهدت فيلم "بعد الموقعة" للمخرج يسري نصر الله ضمن عروض مهرجان الأقصر للسينما المصرية الاوربية، وحزنت كثيراً ليس علي المستوي الذي هبط اليه الفيلم ولكن علي موهبة المخرج يسري نصر الله التي دفعها حماس المخرج في توثيق حدث هام مثل موقعة الجمل الي اقصاء النجاح الجماهيري والنقدي الذي حققه خلال فيلمه الاخير "احكي يا شهرذاد" ، والعودة الي الوراء ثلاثة خطوات او أكثر في فيلم "بعد الموقعة"، واختلفت مع الاسلوب الحنجوري للحوار والعلاقة العاطفية الثلاثية غير واضحة المعالم بين خيال من نزلة السمان وبين ناشطة سياسية وبين زوجته،واعتبرت الفيلم ذلة حماس لمخرج شارك في أحداث الثورة ودفعه إيمانه بها لتوثيق جزء منها، وهو حماس طبيعي لكل من شارك في هذا الحدث الضخم. وقد صدمني مقال للناقد الكبير سمير فريد نشر في جريدة المصري اليوم بتاريخ 3 اكتوبر 2012 ، عن فيلم بعد الموقعة، وقد شاهد الناقد الكبير الفيلم ضمن عروض مسابقة مهرجان (كان) حيث شارك الفيلم ، وكنت من متابعي مقالاته عن هذا المهرجان واذكر انه قال خلال حديثه عن تقييم عدد من نقاد السينما حول العالم لفيلم بعد الموقعه بأنهم أعطوا له تقييم ضعيف، ولكن الرؤية تختلف من مشاهد الي آخر ومن كاتب الي آخر، قد نحب هذا الفيلم أو نرفضه، ولكن عذراً ان نصنع آلهه ندور حولها في دائرة مفرغة، وقد جاءت ثورة يناير لتحطم صناعة الآلهه وتوريث سيادة الحكم، الحرية التي نادت بها الثورة لم تختزل في فيلم سينمائي يمثلني، "بعد الموقعة" ليس فيلمي، ومن يحب السينما ليس بالضرورة يحب "بعد الموقعة"، ومن يعرف المتعة الفنية، وليس مجرد قضاء الوقت بالتسلية ليس بالضرورة يحب "بعد الموقعة"، ومن ينتمى إلى العشرين مليوناً الذين طالبوا بالحرية فى ثورة يناير ليس بالضرورة يحب "بعد الموقعة". بعد الموقعة ليس أول فيلم روائي يتحدث عن ثورة يناير كما ذكر الاستاذ سمير فريد ، هناك عدد كبير من الأفلام السينمائية التي غيرت أحداثها بعد الثورة لتشارك في الحدث، أولها كان فيلم "صرخة نملة" ، بينما قدم الفنان أحمد عيد فيلم "حظ سعيد" والذي تدور كل أحداثه تقريباً حول الثورة داخل ميدان التحرير. Comment *