بعد أيام من الشائعات ظهرت أخيرا نتيجة أول انتخابات حقيقية لرئيس الجمهورية ومع فوز محمد مرسى بدأ الكثيرين في مطالبته بطمأنة الشعب المصري بكل فئاته (وكأن هذا الشعب الذي انتخبه منذ أيام قلق من انتخابه) ومطالبته بأن تشارك كل القوى في مهرجان الحكم ،فهناك من يطالب بطمأنة الأقباط ومع تهنئته طالبته الكنيسة بتنفيذ وعوده وهناك من يطلب الاطمئنان على مدنية الدولة وأننا لن نتحول إلى دولة المرشد ،وقد ظهر أثر ذلك فى الخطاب الأول للرئيس الذي لم يترك محافظة أو فئة إلا وعدها خيرا وانه سيكون خادما للجميع ،وفى اعتقادي أن هذه الطمأنة المطلوبة لا تبعث على الاطمئنان ومبرراتي في ذلك ما يلي : 1- أن الطمأنة المطلوبة ليست لطوائف أو فئات لأن ذلك هو نوع من العودة لتقاليد المجتمعات القبلية التي يعطى فيها الفائز الأمان لأعدائه ونحن مجتمع واحد مهما اختلفت رؤيتنا ،وعلينا أن نطالب بأن يكون القانون هو الفيصل والحكم بين كل الأفراد وأننا سنطمئن إلى التطبيق الأعمى للقانون وليس لوعد من الرئيس قد تغيره علاقات القوى والمصالح، وبالتالي فلنطالب بتنقية القوانين ووضع قواعد صارمة لمحاسبة من يهمل أو ينحرف عن تطبيق القانون سواء كان قاضيا أو سياسيا أو من رجال الشرطة 2- ليس من مصلحة الوطن أن تكون السياسة العامة لرئيس في أحلك الظروف هى طمأنة الجميع فهل يطمئن من قام بالتعدي على الأرض الزراعية وقام بالبناء عليها إلى أن سياسة الرئيس الجديد هي عفا الله عما سلف أم أن على كل من فعل ذلك وغيره مما يسئ إلى المجتمع أن يعرف انه لن يمر بما أخذه غصبا ،وبالتالي فلا طمأنة لمثل هؤلاء 3- الطمأنة المطلوبة من الرئيس الجديد هي أن يتعهد بأن يكون معيار الكفاءة هو الشرط الوحيد فى تقلد المناصب وليس الثقة وليس تسديد فواتير التأييد ،وقد كتبت سابقا مطالبا بوضع معايير محددة لاختيار القيادات حتى لا يكرر الإخوان ما فعله الحزب الوطني من فرض رجاله على كل موقع وان يكون لدينا هيئة تتولى مراقبة ذلك والبحث في الشكاوى التي تقدم لها بعدم الحصول على الحق في منصب نتيجة للواسطة والمحسوبية ،فهكذا نطمئن إلى عدم ضياع حق مواطن أيا كان دينه أو وضعه الاجتماعي وان الفقر لن يكون سببا في الاستبعاد عن وظائف معينة 4- أطالب دائما بأن تكون الوظائف التقليدية للدولة وهى العدالة ممثلة فى القضاء ،والدفاع ممثلا في القوات المسلحة ،والأمن ممثلا فى الشرطة ،أن يشترط فى الالتحاق بهم عدم الانتماء إلى أية تنظيمات سواء سياسية أو دينية حتى تظل هذه المؤسسات حيادية فى تعاملها مع الجميع وان تكون مصلحة الوطن هى ما يشغلها وتترفع عن الانحياز لفئة دون أخرى وهو ما يتطلب أن يكون من يلتحق بها من غير المنتمين إلى آية تنظيمات رفعا للحرج، ولدينا الملايين ممن يصلحون لذلك دون انتماءات وعلينا أن نضع قاعدة في مصر الثورة أن هذه المؤسسات خارج نطاق الاقتسام الحزبي أو الطائفى 5- نريد أن نطمئن إلى أن الرئيس الجديد ومن ورائه الإخوان لن يعقدوا صفقات مع المجلس العسكري، وهو ما عانت منه مصر الثورة طوال الفترة السابقة حيث اعتقد الإخوان أن أغلبيتهم وقدرة تنظيمهم تجعلهم يتولون مقاليد الأمور مما استدعى عقد الصفقات مع المجلس العسكري وخروجهم عن القوى السياسية مما أضعف هذه القوى وبالتالي استطاع العسكر فرض مواقفهم نتيجة الانقسام بين القوى السياسية ،ثم استدار العسكر إلى الإخوان وأطاح بما حصلوا عليه وهو ما جعل خيرت الشاطر نائب المرشد يصرح فى حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية :"إن الجماعة كانت قد اتخذت موقفًا إيجابيًا نحو المجلس العسكري ووافقت على وعده بتسليم السلطة لكن المجلس العسكري لم ينفذ هذا الوعد وأجبرهم ذلك على تغيير مواقفهم"، واتهم المجلس العسكري بخيانتهم ،ونتيجة للاختلاف بين الإخوان والعسكر عاد الإخوان إلى الجماعة الوطنية فمن يضمن استمرار ذلك ،لذلك فالمطلوب طمأنة واضحة إلى عدم عقد صفقات مع المجلس العسكري وان تكون هناك شفافية فى التفاوض وان يطبق الإخوان الشعار الذي رفعوه في انتخابات الإعادة بأن قوتنا فى وحدتنا 6- أما عن الوعود التى أطلقها الرئيس المنتخب بأن تكون هناك مشاركة فى مؤسسة الرئاسة واختيار سيدة وقبطي كنائبين للرئيس فإن ذلك يستدعى التخوف من معالجة خطأ بخطأ آخر،فإذا كنا نشكو من التهميش لبعض الفئات فإن علاج ذلك يكون بتنفيذ سياسات تتيح فرصة العمل العام لكل من يملك الكفاءة وليس بالدخول فى متاهة المحاصصة حيث تعطى كل طائفة حصة من الوظائف ،فإذا بدأ الرئيس الجديد بأن يكون هناك سيدة وقبطي نائبين فماذا يمنع بعد ذلك من المطالبة بحصة من الوزراء وحصة من المحافظين وحصة فى كل منصب وهذا من أسوء التقاليد أن توزع الوظائف حسب الطوائف وليس حسب الكفاءة الطمأنة المطلوبة أن القانون هو الفيصل وان تكون هناك محاربة للمحسوبية والواسطة وان يعاقب المخطئ مهما كان موقعه وان يتوقف الجميع عن مقولة أن هناك خطا أحمر ُيمنع الكلام عنده فليست هناك خطوط حمراء تمنعنا من نقد أى موظف عام أيا كان موقعه وحصانته،ثم على الجميع أن يتركوا للإخوان الفرصة للعمل لنرى ماذا سيفعلون فهم على المحك إما أن ينجح الرئيس الذي جاء منهم وإذا فشل فلن تكون الخسارة له وحده بل لتنظيمهم كله ولكننا أيضا سنكون من الخاسرين لسنوات تضيع والعالم يتقدم ونحن نتخلف أستاذ الاقتصاد – عميد تجارة المنوفية السابق Comment *