نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للعالم المصرى الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل يشير فيه أن مصر تمضى فى مسيرتها تجاه الديمقراطية، ويصف زويل المناظرة الرئاسية التى شاهدها بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح ، وهما اثنين من بين المرشحين ال 13 الرئيسيين لرئاسة الجمهورية في مصر، بانها كانت نقاش مذهل أمتد لأكثر من أربع ساعات وشاهده الملايين من المصريين والعرب الآخرين . وأنه على عكس تصور مختلف أنحاء العالم أن مصر تغرق لا محالة في الفوضى والتعصب ، فان هذا النقاش بطرق عديدة يعكس الأمل من أجل مصر جديدة بعد ثورة العام الماضي . ويشير زويل أنه منذ عصر رمسيس الثاني ، وهو الفرعون القوي الذي حكم مصر منذ آلاف السنوات ، حتى العام الماضي عندما أنتهى حكم حسني مبارك ، لم يكن المصريون أبدا قادرين أن يشهدوا مناظرة حول من الذي ينبغي أن يتولى الزمام الديمقراطي في أعلى منصب للدولة، فثقافة النقاش الجديدة لدينا ، مع انتخاب مجلس النواب في ديسمبر الماضي ، هي معالم بارزة في تاريخ الأمة ، مما يمهد مسار جديد ، ولكن صخري ، نحو الديمقراطية . ويقول العالم المصرى أنه خلافا لما يحدث في الدولة المجاورة سوريا أو ما حدث في وقت سابق في ليبيا ، فالجيش المصري قد أتخذ طريقا مختلفا وحمى الثورة في مهدها. فالجيش المصرى كان الحارس لهذه الانتخابات الشفافة الغير مسبوقة . ورغم ذلك فان التحديات التي تواجه البلاد ، بالطبع ، هى لا تزال هائلة . فمن بين المشاكل الأكثر خطورة هي الصعوبات الاقتصادية ، وحالة عدم اليقين فى المناخ السياسي وتدهور الأمن. لقد تفاقمت هذه المشاكل على مدى الأشهر ال 15 الماضية حيث أن كل دائرة من الدوائر الثلاث الرئيسية فى مصر التى أنخرطت في الثورة --المجلس الأعلى للقوات المسلحة , الذي هو المسؤول عن الفترة الانتقالية ، والاطراف الليبرالية والإسلامية , والشباب الذين اثاروا شرارة الانتفاضة -- قد تعثرت بشكل او باخر . حتى أن بعض أكثر الناس عطشا لتحويل الأمة الراكدة فى عهد مبارك من أمة تفتقر الديمقراطية الى مجتمع غني بالديمقراطية كانوا يتوقون , بيأس , لتحقيق الاستقرار القديم . ويوضح زويل ان بالفعل هناك أعراض فوضوية - مثل الصراعات بين مختلف الأحزاب السياسية والاشتباكات المتقطعة بين المجلس العسكرى والبرلمان والحكومة - ولكن هذا هو شكل من أشكال "الفوضى الخلاقة " ، على حد تعبير كوندوليزا رايس ، أن هذه هى نتيجة تغييرات ثورية التى في نهاية المطاف سوف تؤدي إلى ديمقراطية مستقرة . ويعتبر زويل أن الانتخابات الفرنسية الأخيرة درس لنا في الإنتقال السلمي والحضاري للسلطة، نحن نعلم أن الثورة الفرنسية منذ حوالى قرنين من الزمان تقريبا قد تم مصاحبتها بإراقة دماء على نطاق واسع وصراعات سياسية قبيحة لسنوات عديدة . لذلك فانها بادرة أمل في الواقع أننا كمصريين لا نزال نسير قدما نحو الديمقراطية مع قليل من اراقة الدماء نسبيا. كل الدلائل تشير إلى أن الثورة المضادة ليس لها مكان فى مصر. فالمصريون لن يعودوا إلى نظام الحكم الشمولي الاستبدادى . ولعل الشئ المشجع أكثر من ذلك كله هو ثقة المصريين في مستقبلهم . وينتقل الدكتور زويل الى تحدى اخر وهو ازدياد العنف بين بعض المسلمين والمسيحيين والذى يؤكد انه أمر يدعو للقلق. ولكنه يرى أن أصله وحدته يتم المبالغة فيهم في وسائل الإعلام . فيشير الى أن تاريخ المسيحية في مصر هو جزء من نسيج المجتمع المصرى. مصر ليس لديها جيتو – مكان منفصل -- للأقلية من سكانها ولا يوجد فصل بين الطلاب في المدارس ، ولكن فى الواقع مصر لديها بعض المشاكل القابلة للحل لتعالجها ، بما في ذلك قضايا المجتمع المدني والتمثيل في الحكومة . ويشهد زويل -- من خلال نشأته فى مصر بالانسجام بين اشخاص الديانتين , فيقول اننا احتفلنا معا بعيد الفطر وعيد الفصح والكريسماس ، وعشنا معا في نفس المباني وذهبنا إلى نفس المدارس. الراحل البابا شنودة الثالث اعتاد أن يقول : " نحن لا نعيش في مصر , لكن مصر تعيش في داخلنا ". كما أن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ، أحمد الطيب ، قد وقع على وثيقة دستورية جديدة تطالب بالوحدة وحقوق الإنسان لجميع المصريين. ويقول زويل انه في فترة ما بعد الثورة ، بعض العناصر السيئة ، بما في ذلك تلك عناصر من النظام السابق ، تسعى لتأجيج العنف الدينى من أجل زعزعة الاستقرار في ديمقراطيتنا الوليدة . لكن يشير العالم المصرى أن حقيقة أن هذا العنف الدينى لم يأخذ تواجدا عميقا هو علامة أخرى للأمل . فبطبيعة الحال ، دور الدين في السياسة هو الان يجري مناقشته ، وفى الواقع أن المناظرة التي جرت مؤخرا هى تخبر عن هذا التغيير . فالمواطنون يتحملون المسؤولية عن مصيرهم الخاص بهم من خلال الإصرار على تنافس الرؤى المتنوعة والأيديولوجيات . في النهاية ، المصريون يعرفون ، للمرة الأولى ، أنهم يستطيعون اختيار مستقبلهم. وأنه لن يملي أو يفرض عليهم من قبل أي شخص. ويقول زويل انه – من خلال انخراطه في مصر -- واثق من أن المجلس العسكرى سيسلم السلطة الى رئيس منتخب. ورغم ذلك فهو يعتقد أن المجلس العسكرى يرغب في الحصول على "مخرج محترم" ، وعلى بعض الضمانات فيما يتعلق بوضع الجيش في دستور مصر الجديدة . وفى نهاية مقاله يوجه الدكتور زويل رسالة للشعب المصري ، وخصوصا للسياسيين يدعوهم فيها انه من أجل مصلحة مصر يجب أن يتوحدوا معا لاستكمال الانتقال من الديكتاتورية التى سقطت الى الديمقراطية الناشئة من خلال التركيز على وضع الدستور الجديد . وانه بغض النظر عمن يأتي إلى السلطة ، فالدستور سوف يحمى المواطنين من سوء استخدام السلطة سواء من جانب السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية. ويشير زويل انه لحسن الحظ ، مصر لا تزال لديها نظام قضائي محترم وقوي لإكمال ثلاثية الديمقراطية . بينما يقول أن قلقه هو أن ممارسة "نزاعات التفاهات" التى كانت فى عهد مبارك يمكن أن تتسبب فى أن الأمة تبتعد عن القضايا المركزية للدستور والإنتاجية الاقتصادية. فكلما زادت فعالية هذا المسار الغير منتج ، كلما طالت فترة الانتقال الى الديمقراطية . ويختتم الدكتور زويل مقاله بقوله أنه من الضرورى أن لا نتخلى عن الامل. وأن العالم يجب أن يدعم الديمقراطية التي مرت بمرحلة الحمل ، وهى الآن في فترة الحمل ، وتستعد لاستقبال ولادة جديدة . زويل : الجيش المصرى حمى الثورة في مهدها وهو الحارس الأمين على الإنتخابات