نشرت جريدة “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية تقريراً عن الإقتصاد المصري في زمن ما بعد الثورة، ذكر فيه أن الثورة المصرية الغير مكتملة دخلت في مرحلة من عدم الاستقرار السياسي الغير المسبوق الذى لم تشهده البلاد منذ الخمسينيات، عندما حشد جمال عبد الناصر الملايين من مواطنين مصر وملايين أكثر في جميع أنحاء المنطقة العربية فى دعم للقومية العربية وتحدى للقوى الاستعمارية القديمة في المنطقة . لكن وسط كل هذا الغموض وعدم اليقين ، هناك شيء واحد مؤكد وهو: أن الاقتصاد المصري في حالة يرثى لها ، ومن الواضح أنه لن يتحسن في وقت قريب، على الرغم من وعود المرشحين للرئاسة مثل عمرو موسى بإصلاحه سريعاً. وتوقع صندوق النقد الدولي، ألا يزيد معدل النمو الاقتصادي المصري على 1.5 % هذا العام ، وأن يصل معدل التضخم الى 9.5 % ، ويضاف عدد 1 مليون عامل جديد إلى صفوف العاطلين عن العمل . وتشكل مشاكل مصر الاقتصادية تهديدا لعملية الانتقال إلى نظام ديمقراطى جديد ومستقر، السياسيون يقولون وعودا، والعديد من المصريين الآملين يصدقون وعودهم . ولكن إذا فشل السياسيون في تحقيق ما وعدوا به، يمكن أن تندلع جولات جديدة من الاضطرابات، لكنها ستكون أبشع وأكثر حدة من الحشود الفرحة التي ملئت ميدان التحرير فى القاهرة والميادين العامة في جميع أنحاء البلاد . ومع كون مصر أكبر دولة في العالم العربي ، والتى لا تزال تلقي بظلالها على السياسات والاتجاهات الإقليمية، يمكن أن يكون لهذه الاضطرابات تداعيات أوسع نطاقا، حيث سيتم تعزيز الملوك والحكام المستبدين الآخرين، الذين يقولون أن بقاء الاستقرار أكثر قيمة من تغيير ديمقراطي محفوف بالمخاطر. ولكن ما مدى سوء الحالة الاقتصادية ؟ مالية الحكومة المصرية تضررت في العام الماضي. المصريون الاثرياء خبأوا الكثير من أموالهم خارج بلادهم ، (وتراجعت السياحة )بانخفاض 32 % فى الربع الأخير من عام 2012 ) وأنهار الاستثمار الأجنبي ( بانخفاض 72 % في الربع الثالث من العام الماضي ) . العصبة العسكرية الحاكمة في مصر لديها حاليا طلب للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وقد قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي , كريستين لاجارد , للصحفيين قبل بدء اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن هذا الصباح أنه حتى لو تمت الموافقة على اعطاء القرض لمصر , “فانه لن يكون كافيا ، والجميع يعرف ذلك” . كما تقول أن مصر سوف تحتاج مساعدات من مصادر أخرى . المشكلة هي أن الاحتياطي الاجنبى لمصر تراجع إلى 15 مليار دولار من 36 مليار دولار قبل اندلاع الاحتجاجات ضد مبارك في يناير 2011. ويتم إستخدام احتياطي العملة الأجنبية من قبل البنوك المركزية لإدارة قيمة عملاتها المحلية ، من بين أمور أخرى. والجنيه المصري الآن على حافة السكين . وسيكون نقص الموارد المالية والصفقات التجارية الفاسدة حقائق إقتصادية لتحديات الحياة المصرية مهما كانت نوعية القوى التى ستوجه مصر في السنوات المقبلة، ولكن رغم الاضطرابات التي شهدتها مصر العام الماضي ، ظلت قيمة الجنيه المصري ثابتة , حيث يتم تداوله الآن بحوالي 6 جنيه امام الدولار، لكن الضغط على العملة من المرجح أن يتزايد . أما في الواقع ، إزداد التحول السياسى الفوضوى فى مصر فوضوية فى الاسابيع الاخيرة، وأمرت محكمة مصرية بحل الجمعية التى عينها البرلمان لكتابة دستور جديد للبلاد، وقام الجنرالات الحاكمين بإستبعاد أحد المرشحين الإسلاميين للرئاسة، وكذلك الرجل القوي عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع، وكذلك أحد أقوى رجال جماعة الاخوان المسلمين في مصر. وانتشرت الشائعات والاتهامات و التحذيرات الرهيبة ذهابا وإيابا، مع تصاعد التوتر بين الاخوان المسلمين ، الذين فازوا بنصيب الأسد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية ، وبين المؤسسة العسكرية في محاولة لحماية امتيازاتها التاريخية المالية والقانونية . ويبقى السؤال :الى أين سينتهى كل هذا ؟.. هو أمر من المستحيل التنبؤ به،الجيش يعطي كل المؤشرات التي تؤكد أنه لن يتخلى بهدوء عن سلطته على شؤونه، التى تتمثل فى شبكة واسعة من المصالح التجارية المنتشرة و المبهمة . حزب الحرية والعدالة المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بدوره، يشتعل غضبا حول إستعراض العضلات السياسى للمجلس العسكرى، وأصبح أكثر حدة على نحو متزايد في تحذيراته حول مكائد ومؤمرات مناهضة للديمقراطية من العسكريين . ويقول جوش ستاشر , أستاذ العلوم السياسية فى جامعة ولاية كينت ، الذي أنجز مؤخرا مقالة عن ” جنرالات مصر ورأس المال الدولي ” مع شانا مارشال، أن الجيش قام ايضا بتوسيع دوره في الاقتصاد، الجيش قد فعل هذا من خلال التحرك ضد قوى اخرى في القطاع الخاص ، ولاسيما ضد أولئك الذين كانوا مقربين من الرئيس السابق وابنه جمال . ويقول استاذ ستاشر أن الجيش يفضل الأرباح فى اطار الرأسمالية، وليس فى اطار المنافسة. كما يقول ستاشر , الذى يرى ان الحملة العسكرية على الفساد يبدو أنها ستكون انتقائية , أن ” الانتفاضة أعطت الجيش فرصة للقضاء على خصومه ” ، وأضاف ” هذا أمر فظيع بالنسبة للقدرة التنافسية ” .