انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش أداء الحكومة البحرينية لأنها لم تنفذ أهم التوصيات التي قدمتها اللجنة المستقلة التي بحثت في انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت على نطاق واسع خلال حملة قمع المحتجين المطالبين بالديمقراطية في عام 2011. حيث قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة: “اتخذت مملكة البحرين بعض الخطوات الإيجابية، ولكن لا يمكن لحكومة البحرين التحدث عن تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في وقت مازال فيه مئات الأشخاص خلف القضبان بسبب التعبير عن الرأي والمطالبة بتغيير الحكومة. ويبدو أنه لم يتم التحقيق مع أي ضباط من أصحاب الرتب العالية في الدور الذي لعبوه في انتشار التعذيب وعمليات القتل غير القانونية”. كانت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي أنشأها الملك حمد بن عيسى آل خليفة وترأسها شريف بسيوني، الخبير القانوني من أصل مصري أمريكي، قد نشرت النتائج التي توصلت إليها في نوفمبر 2011. وفي ذلك التوقيت، وعد الملك بتنفيذ جميع التوصيات الصادرة عن اللجنة وأنشأ لجنة وطنية لمتابعة التنفيذ. وفي 20 مارس 2012، أعلنت هذه اللجنة أن تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق لامست جميع المجالات الحياتية في البحرين. ولكن هيومن رايتس ووتش قالت إن بعض الشكوك التي أعربت عنها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، مثل المحاسبة على جرائم التعذيب، والتعويض للأشخاص الذين سُجنوا ظُلمًا، لم يقع التطرق إليها على نحو كاف. وفي إحدى الخطوات الايجابية التي أوصت بها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، جرّدت الحكومة البحرينية جهاز الأمن الوطني من سلطة اعتقال الأشخاص واحتجازهم. كما قام الملك باستبدال رئيس هذا الجهاز الشيخ خليفة بن عبد الله آل خليفة، قبل أن يعينه أمينًا عامًا لمجلس الدفاع الأعلى، ومستشارا لدى الملك للأمن القومي برتبة وزير. وتوصل تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إلى أن جهاز الأمن الوطني لعب دورًا محوريًا في اعتقال 2929 شخصًا خلال فترة تطبيق حالة السلامة الوطنية التي دامت عشرة أسابيع، من منتصف مارس إلى بداية يونيو السنة الماضية، وكانت أغلب الاعتقالات تتم في غارات ليلية على المنازل. وقال تقرير لجنة تقصي الحقائق إن جهاز الأمن الوطني وقوات الأمن الأخرى قامت “بشكل متعمد بتحطيم الأبواب، واقتحام المنازل عنوة وفي بعض الأحيان سلبها” واستعملت “إهانات لفظية طائفية”، وعاملت أفراد العائلات بشكل مهين، وروّعت الأطفال. كما قال التقرير إن نمط الاعتقالات “يشير إلى تواجد نمط سلوكي منهجي”، صاحبه “سلوك مثير للرعب” في الأشخاص الذين تم اعتقالهم. وخلُصت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إلى أن عمليات الاعتقال والاحتجاز التي تمت خلال فترة حالة الطوارئ “لم تكن لتحدث دون علم الرتب العليا في تسلسل القيادة داخل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني”. كما قالت اللجنة إن عددًا كبيرًا من مجموع 179 شخصًا ممن تم اعتقالهم على يد جهاز الأمن الوطني زعموا أنهم تعرضوا للتعذيب. وقال جو ستورك: “كان يتعين على الحكومة الرد بإيقاف الشيخ خليفة بن عبد الله آل خليفة على ذمة التحقيق لدوره كرئيس لجهاز الأمن الوطني أثناء الحملة. إن مكافأته بمنصب وزاري تُسلط الضوء على فشل العائلة الحاكمة في التعامل بجدية مع موضوع مساءلة جميع الأشخاص في جرائم حقوق الإنسان”. ودعت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق الحكومة إلى التحقيق في مزاعم بتورط قوات الأمن في ممارسة التعذيب “بما في ذلك تلك الموجودة في سلسلة القيادة العسكرية والمدنية”. يُذكر أن الحكومة شرعت في محاكمة العديد من ضباط الأمن الذين لهم صلة بوقوع حالات وفاة بسبب التعذيب أثناء الاحتجاز وعمليات قتل غير قانونية، ولكن هيومن رايتس ووتش لا تعلم بأية جهود مبذولة لمحاسبة ضباط أصحاب رتب عالية، وهو ما أسماه تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق ب “ثقافة الإفلات من العقاب”. تتساءل هيومن رايتس ووتش أيضا عما إذا كان إشراف مكتب النائب العام على التحقيقات يستجيب لمتطلبات “الاستقلالية، والحياد، والفاعلية” التي أكد عليها المستشارون الدوليون ما لم يتم إصلاح هذا المكتب بشكل جذري بما يجعله مستقلا عن الحكومة وملتزمًا بمبدأ المحاسبة الشاملة والمحايدة. وقامت هيومن رايتس ووتش في العديد من التقارير بتوثيق فشل مكتب النائب العام بشكل متواصل في التحقيق في مزاعم خطيرة حول التعذيب وسوء المعاملة، والأمر بإجراء فحوصات طبية على المعتقلين الذين يزعمون ذلك. كما تسبب مكتب النائب العام في محاكمات استندت إلى اعترافات تم التأكد من أنها انتزعت بالقوة. وقال تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إن اللجنة تلقت أدلة تشير إلى انه في بعض الحالات لم تقم النيابة أو القضاء باتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المسئولين. أعلن النائب العام في البحرين أن وحدة التحقيقات سوف يترأسها “شخص برتبة رئيس نيابة” ويساعده “سبعة نواب عامين”، ولكنه لم يتم تسمية أي شخص في هذا المنصب. وفي رسالة تلقتها هيومن رايتس ووتش، قال النائب العام: “لا شيء يحول دون اتخاذ تدابير ضد أي مسئول ثبت تورطه في الأحداث، بغض النظر عن وظيفته أو رتبته”. واستنادًا إلى النائب العام، قامت النيابة، بعد صدور تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، بالتحقيق في دعاوى ضد 50 ضابطًا بشأن مزاعم عن ضلوعهم في 107 قضايا تتعلق بتعذيب وسوء معاملة المدنيين، بما في ذلك عدة حالات وفاة أثناء الاحتجاز وعمليات قتل غير قانونية. واستنادًا إلى تقارير إخبارية، فإن أعلى رتبة ضمن الأشخاص الذين تشملهم المحاكمة هو شرطي برتبة ملازم، أما البقية فأغلبهم من غير البحرينيين العاملين في رتب صغيرة في وزارة الداخلية. وقالت هيومن رايتس ووتش إن فشل السلطات إلى الآن في محاكمة المسئولين عن وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بغض النظر عن رتبهم، يقوّض التزام البحرين بتحقيق إصلاحات هامة. ومن بين أهم التوصيات الأخرى التي قدمتها اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق والتي لم يتم تنفيذها بعد هي القيام بمراجعة شاملة للأحكام التي طالت أشخاصًا بسبب جرائم التعبير، وإلغاء الإدانات التي صدرت في محاكمات جائرة. ومنذ بداية أبريل 2011، أدانت محاكم عسكرية خاصة مئات الأشخاص، وفي أغلب الأحيان استنادًا إلى تهم يبدو أنها تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، من قبيل حرية التعبير والتجمع، وتوجيه انتقادات إلى الملك ورئيس الوزراء، وحضور “اجتماعات غير قانونية”، و”التحريض على الكراهية ضد النظام”. ورغم أن الملك قام برفع حالة الطوارئ منذ بداية يونيو/حزيران، واصلت المحاكم العسكرية الخاصة إدانة ومقاضاة الأشخاص إلى أواخر أكتوبر/تشرين الأول. واستنادًا إلى المجلس الأعلى للقضاء، هيئة يرأسها الملك، قامت المحاكم العسكرية بإدانة 502 متهمًا. واعتمادًا على مراجعة ما توفر من وثائق من المحاكم وتقارير إخبارية، توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أنه تمت إدانة ما لا يقل عن 204 متهمًا على خلفية تهم سياسية واضحة تتعلق بممارسة حرية التعبير والتجمع، وأنه تمت إدانة 116 من هؤلاء بهذه التهم دون سواها. وتم احتجاز أغلب المتهمين بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسابيع، وأحيانًا أشهر، دون أن يتمكنوا من الاتصال بمحامييهم أو أفراد عائلاتهم. وفي العديد من الحالات، اعتمد الادعاء والقضاة العسكريون فقط على اعترافات الأشخاص لإدانتهم، وزعم العديد من المتهمين أن الاعترافات انتزعت منهم بالقوة.وقال تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إن “عدم محاسبة المسئولين داخل المنظومة الأمنية قد أدى إلى انتشار ثقافة عدم المسألة ة الثقة”. كما قال التقرير إن المزاعم المتكررة بحصول تعذيب أمر “يشير إلى وجود مشكلة منهجية، لا يمكن حله إلا بشكل منهجي”. درست هيومن رايتس ووتش بشكل مفصّل سجلات المحكمة المتعلقة بمحاكمة 21 ناشطًا بارزًا، بمن فيهم إبراهيم شريف، وعبد الوهاب حسين، وعبد الهادي الخواجة، وحسن مشيمع، وعبد الجليل السنكيس، وآخرين ممن يبدو أنهم أدينوا فقط بسبب ممارستهم لحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. ويبدو واضحًا أن المراجعة لم تشمل الإدانات والأحكام القضائية بالسجن لفترات طويلة، ومنها المؤبد، الصادرة في حقهم. في النهاية، أعرب جو ستورك عن قلقه من الوضع البحريني، وأكد على أنه: “يجب على البحرين أن لا تتجاهل تلك التوصيات التي تعتبر أساسية للغاية في مواجهة أزمة حقوق الإنسان المتواصلة هناك. ويتعين على السلطات إطلاق سراح جميع الأشخاص المسجونين ظلمًا، ودون تأخير، بمن فيهم الأشخاص الذين قادوا المظاهرات، وأن تضمن أن تطال التحقيقات الجنائية في التعذيب وعمليات القتل بشكل غير قانوني أعلى درجات سُلّم القيادة”.