تشهد العلاقات المصرية السودانية توترا متصاعدا بسبب عدد من الملفات العالقة التي ربما تزداد تدهورا بسبب الاستثمارات الزراعية الخليجية في الأراضي السودانية، وهو الأمر الذي يزيد من خطورة تهديد سد النهضة لحصة مصر من مياه النيل، خاصة أن تلك الدول تقوم بزراعة محاصيل شرهة للمياه كالأعلاف الخضراء والمحاصيل الزيتية إلى جانب المشاريع الحيوانية، هذا بخلاف قيام كل من تركياوالصين بزراعة قطن طويل التيلة، وهما من أكبر الدول المنافسة لمصر في زراعته، الأمر الذي يعود بمردود سيئ على القطن المصري من حيث سعر تداوله عالميا لزيادة المعروض من مثيله من قبل تلك الدولتين بعد زراعته في السودان. وشهدت الألفية الثانية تهافت بعض دول الخليج وضخ مليارات الدولارات للتنمية الزراعية في السودان، فقامت السعودية بضخ أكثر من 11 مليار دولار في 95 مشروعا وتفوقت عليها الإمارات بقيمة استثمارات تصل ل22 مليار دولار، في حين بلغت استثمارات الصين 60 مليون جنيه في 74 مشروعا، فيما عرضت السودان على تركيا زراعة مليون فدان بالمحاصيل الزيتية والقطن، هذا بخلاف زراعة قائمة بالفعل على60 ألف فدان في 3 ولايات سودانية. وبالنظر إلى الاستثمارات الزراعية المصرية بالسودان فهي متوقفة فعليا، فمشروع استصلاح المائة ألف فدان التي تم تخصيصها للشركة السودانية المصرية للتكامل الزراعي والقائمة على الزراعة المطرية فى ولاية النيل الأزرق، وهي الشركة التي تأسست منذ 40 عاما، في وقت نجحت فيه مشروعات أخرى للشركة العربية، في أراض متاخمة لمشروع «التكامل»، الذي يبعد حوالي 20 كيلومترا عن سد النهضة الإثيوبي، ما يمثل أهمية استراتيجية لمصر في ظل الخلاف حول بناء السد، وتنامي العلاقات السودانية مع دول الخليج والصين، وكان من المفترض أن تتم زراعة تلك المساحة بمحصول القمح بالأصناف المصرية عالية الجودة لسد الفجوة الغذائية منه وخفض ما يتم استيراده من الخارج تلافيا لمشكلة نسبة الرطوبة التي تصاحبها الإصابة بفطر الأرجوت. ومن جانبه قال أحمد عثمان، الخبير الزراعي، إن وزارة الزراعة السودانية تتعامل مع شركة التكامل على أنها قطاع خاص، فيما تغيب المتابعة المصرية للأمر، ونفى ما تردد حول عدم نجاح زراعة القمح في أراض بالسودان بالدليل العلمي، بدعوى أنها خارج حزام القمح، إلا أن شركة سعودية، تستثمر في الولاية الشمالية، قامت بزراعة 100 ألف فدان، وحققت أعلى إنتاجية للقمح في الفدان، مؤكدا أن شركة التكامل يمكن أن تساهم في سد فجوة بعض السلع، مثل القطن وفول الصويا لإنتاج الأعلاف، وإنتاج زيت الذرة وعباد الشمس، بخبرات مصرية أيدي سودانية. يقول السفير المصري السابق إبراهيم يسري، إن مصر ذاهبة إلى المجهول، والحكومة السودانية تهمها مصلحتها في المقام الأول، ولن تستطيع مصر إجبار السودان على وقف التنمية لأن الاتفاقيات الدولية تنظم النزاعات بهذا الشأن، مؤكدا أن الاستثمارات الخليجية الزراعية في السودان ستؤثر بالتأكيد على حصة مصر النيلية، وهي تعد بمثابة أزمة بين الدول العربية، ويجب وضعها على جدول أعمال القمة العربية، مع عرض الأمر على الاتحاد الإفريقي لحل النزاع. وأكد وزير الموارد المائية والري المصري السابق حسام مغازي، في تصريحات سابقة إن مصر لا تعارض التنمية الزراعية في السودان، بل تدعمها بمشاريع مصرية زراعية، مؤكدا على ضرورة أن تقوم التنمية الزراعية السودانية بالاعتماد على مياه جوفية أو مطرية، بعيدا عن النيل، وخاصة مع وجود بدائل لعدم الاعتماد على مياه النيل، فالسودان لديه مخزون ضخم من المياه الجوفية التي يمكن أن تكفي لزراعة ملايين الأفدنة، والزراعات الموجودة في الولايات الشمالية تعتمد عليها بالفعل، وهي تأتي من جبال روانزوري والهضبة الإثيوبية.