* الرفض اللفظي لصفقة القرن لا يُعتد به، والتصريحات بهذا الشأن ليس بوسعها أن تتحول إلى موقف سياسي حازم، فالمواقف من السياسات الخارجية المعادية لقضية فلسطين تكتسب صدقيتها وأهميتها بانتهاج سياسة داخلية، وامتلاك رؤية وطنية تعبر عن الأهداف الوطنية النبيلة لشعبنا الفلسطيني في التحرير الكامل. * ما يُخطط لقضيتنا ليس قدراً لا مناص منه، بل إن هذا المعسكر المعادي برمته يتخبط بأزمة كبيرة، فلم يعد القادر على صنع الحدث وفرض السياسات والحلول، فهناك محور المقاومة الذي ازداد قوةً ورسوخاً، وثقافة المقاومة التي أثبتت جدواها وجدارتها، ونموذج المقاومة الذي بات يلهم كل الأحرار والشرفاء في أمتنا. لازال في جعبة (القيادة الرسمية المتنفذة، قيادة م.ت.ف، وسلطة الحكم الإداري الذاتي) المزيد من الصدمات التي تصدم فيها الشعب الفلسطيني، وهي صدمات أشد قساوة مما تسببه الحروب، وأكثر إيلاماً من خروج دول عربية من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني والتوجه صوب اتفاقات (السلام) مع العدو الغاصب، وفرض القيود على مواطنيها لتحول بينهم وبين أي دور لهم تجاه قضية كانت على مدار القرن العشرين القضية المركزية للأمة والتي يتوقف عليها حاضر ومستقبل أمتنا جمعاء، وهي أعمق جرحاً مما يسببه التنصل من قضية فلسطين من جانب بعض الحكام العرب، بل والتواطؤ مع العدو الصهيوني لإسدال الستار على قضية فلسطين، وتهيئة الأجواء والمناخات لفرض الحل التسووي،وهو مشروع أميركي-صهيوني بامتياز يلبي المطامع الصهيونية الراهنة. طالما علقنا الكوارث والمحن التي تلحق بقضية فلسطين على مشجب الدول الاستعمارية الغاشمة، وعلى مشجب ملوك وأمراء وحكام باتوا في موقع الاندماج بالمشروع الأميركي –الصهيوني، ونتغافل في الوقت نفسه عن مسؤولياتنا الذاتية كفصائل وقوى فلسطينية فيما وصلت إليه قضيتنا، ونكتفي باجترار الدعوات للمصالحة والوحدة، وإصلاح م.ت.ف، وتطبيق قرارات الاجتماعات التي عقدوها فيما بينهم، اعتقاداً منهم أن تنفيذها سيحمي القضية ، ويصون حقوق شعبنا، ويفتح الطريق لاستعادة الوطن السليب، (ووطنهم السليب هو الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 67، ليس إلا)، ليبنوا عليها دولتهم. توقف النقاش المعمق في ساحتنا الفلسطينية وحل محله التصريحات المتلفزة، وتوقف التفكير الجدي في الوضع الفلسطيني عن الحياة الفلسطينية الداخلية وحل محله تسجيل مواقف معترضة خجولة في محاولة ومسعى لتبرئة الذات، أو الظهور بمظهر الحريص على الشعب والقضية، وغاب عن الاهتمام ضرورة امتلاك رؤية وطنية شاملة، ووضع إستراتيجية لنضالنا الوطني ولحماية قضية فلسطين من براثن التصفية، وحل محلها مقولة الجمع بين العمل الدبلوماسي والمقاومة الشعبية، دون أدنى تحديد لمعنى ومفهوم ومضمون العمل الدبلوماسي الأمر الذي يحصره بالمفاوضات ولا شيء غيرها، ودون إعطاء مقولة المقاومة الشعبية أي معنى أو محتوى لتظل تحمل اللبس والغموض، وبالتالي كبح أي فعل مقاوم حقيقي لمخططات التهويد والاستيطان ومقاومة الاغتصاب والاحتلال على قاعدة الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، وغاب اسم ومضمون وفعل الثورة الفلسطينية المعاصرة ليحل محلها (منظمة التحرير الفلسطينية) ممثلتنا الشرعية والوحيدة. ورافق هذا كله غياب التشخيص الحقيقي لما يقوم به العدو الصهيوني الذي يمتلك حقاً رؤية شاملة لمشروعه الاستيطاني الاستعماري، ويمتلك إستراتيجية واضحة مرتبطة بالمشروع الاستعماري الغربي الذي تقوده الولاياتالمتحدة الأميركية، وبقي الأمر محصوراً بالتنديد والاستنكار والإدانة على ما يقوم به، ومطالبة المجتمع الدولي في أحسن الأحوال لإدانته، والمؤسف أن هذه المطالبات للمجتمع الدولي والأممالمتحدة تتجاهل أن العدو الصهيوني نفسه لا يقيم لها اعتباراً وهي ليست محل أجندته، فمرجعية العدو الغاصب ليست هذه القرارات، ولا ما يسمى الشرعية الدولية، بل التلمود والتوراه، والضفة الغربية عنده هي يهودا والسامرة، والقدس عاصمته الأبدية، وترامب في خطابه حول الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الغاصب شدد على أن القدس مدينة يهودية عبر التاريخ، فمرجعيته هو الآخر مرجعية صهيونية تقوم على الأساطير والخرافات والأكاذيب. والرؤية الصهيونية أفصح عنها قادة العدو وكرروها وملئوا أسماء الدنيا بها، بأن فلسطين هي وطنهم وأرض الميعاد، فما فوق الأرض وتحت الأرض ملكهم، وهو ملك لا ينازعهم أحد به، وكل ما في الأمر أن الأقدار شاءت أن يسكن هذه الأرض فلسطينيون من الممكن منحهم إدارة ذاتية لإدارة شؤونهم الحياتية بأنفسهم، لكن لا مكان لدولة وعاصمة وجيش وعلم وسيادة واستقلال، وواقع السلطة نفسها التي جرى إقامتها قبل ربع قرن من الزمن يشرحها رئيسها بأنها سلطة بدون سلطة، وسلطة تحت الاحتلال، واحتلال بدون تكاليف. والرؤية الصهيونية تقوم على للكيان الصهيوني أمنه الاستراتيجي تصل خطوطه لإيران، ويمر عبر العواصم العربية جمعاء، وأمنهم الاستراتيجي يتحقق بمشروع الشرق الأوسط الكبير، مشروع التجزئة والتقسيم والتفتيت، وبسط السيطرة والهيمنة والنفوذ. والرؤية الصهيونية تؤكد على أن الأجواء العربية يجب أن تكون مفتوحة وبكل حرية لطائراته ذهاباً وإياباً، وللطائرات القادمة إليه العائدة من مطاراته، وها ي هي تباشير الخطوط الجوية الهندية عبر الأجواء السعودية تحط في مطار بن غوريون بتل أبيت عبر الأجواء السعودية، ولا نعرف حتى اللحظة عما إذا كان فعلاً مداناً لدى الواقع الفلسطيني المتشكل وموضع استنكار أو أنه عمل من أعمال السيادة لا يجوز لنا كفلسطينيين أن نتدخل به. والرؤية الصهيونية لفرض الحل التسووي على الشعب الفلسطيني وإنهاء قضية فلسطين متضمنة في (صفقة القرن)، خطة الرئيس الأميركي ترامب الذي يتكرر الحديث مؤخراً أنها لم تعلن بعد أنه جرى تأجيل إعلانه دون اكتراث بأنها أخذت طريقها للتنفيذ، سواء تجاه القدس أو حق العودة أو مشروعية الاستيطان كما جاء على لسان السفير الأميركي في تل أبيب أن الاستيطان شرعي (فإسرائيل تبني المستوطنات على أرضها). وصفقة القرن هذه خطة أميركية-صهيونية –حكام عرب على رأسهم ولي عهد مملكة الحجاز ونجد محمد بن سلمان يجري استكمالها بشن الحرب على إيران وعلى قوى المقاومة في الأمة وعلى حزب الله، ومواصلة استنزاف سورية والسعي الحثيث لفرض (مشاريع تقسيم) لازالت الولاياتالمتحدة الأميركية تحلم بها وتعمل من أجلها. وصفقة القرن تستدعي إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والموقف الأميركي واضح بهذا الخصوص في وقف مساعدته للأونروا، ولمواقفها كان له أثر كبير على حجم التبرعات في مؤتمر روما الأخير، فكل ما جرى جمعه 100 مليون دولار من تسعين دولة شاركت في الاجتماع، لا تسد العجز ولا تؤمن دور ووظيفة الأونروا تجاه جموع اللاجئين. لكن الأخطر هو النظرة لقضية اللاجئين والعمل على طمس البعد السياسي عنها، فمؤتمر روما في حقيقته يضع احتياجات اللاجئين الفلسطينيين على قائمة التسول وطلب تقديم يد العون والمساعدة في تجاهل فظ وصارخ لقضية اللاجئين كقضية سياسية بالدرجة الأولى وليست إنسانية فحسب، وفي تجاهل واضح أن اللاجئين الفلسطيني هم الذين حموا قضية فلسطين من مشاريع التسوية والتصفية وكانوا خزان الثورة الفلسطينية المعاصرة وصناعها في الداخل والخارج. باتت قضية فلسطين قضية دول مانحة، دول تمنح السلطة وأجهزتها الأمنية ومؤسساتها، ودول تمنح الأونروا، وأخرى تمنح قطاع غزة على شاكلة مؤتمر البيت الأبيض الذي لم يشارك فيه طرف فلسطيني ولا حتى الأممالمتحدة وهو في جوهره مؤتمر يعالج الأوضاع الاقتصادية لضمان أمن الكيان الصهيوني ومصر. ويرتبط بهذا ارتباطاً وثيقاً الاكتفاء بإطلاق تصريحات تعبر عن رفض (صفقة القرن)، من جانب رئيس السلطة، وهي تصريحات لا يعتد بها، وليس بوسعها أن تتحول إلى موقف سياسي حازم، فالمواقف من السياسات الخارجية المعادية لقضية فلسطين تكتسب صدقيتها وأهميتها بانتهاج سياسة داخلية، وامتلاك رؤية وطنية تعبر عن الأهداف الوطنية النبيلة لشعبنا الفلسطيني. فأي رفض لصفقة القرن وليس هناك من وحدة وطنية حقيقية، وافتقاد المرجعية الوطنية، أي رفض لها وتعميق الخلافات وتصعيدها بات سيد الموقف، وأي رفض لها والعقوبات على قطاع غزة تفرضها السلطة التي تدعي أنها قيادة الشعب الفلسطيني، وأي رفض لها واجترار مقولة وخط ونهج السلام والمفاوضات خياراً إستراتيجياً، وأي رفض لها والتنافس على أشده بين من يقود المنظمة راهناً، وبين من يقتنص الفرص لوراثتها، وسلوك نفس الدرب والنهج، ولسان حال أصحاب مقولة (فلسطين وقف إسلامي لا يجوز التفريط به) أن المفاوضات مع (إسرائيل) ليست حراماً، وأن التفاوض بات مطلباً وطنياً، وأنه مشروع مادامت الحالة الفلسطينية والتعاطي مع قطاع غزة على ما هو عليه. في خضم كل هذه التطورات والأحداث جاء الحادث الأخير في قطاع غزة الذي استهدف موكب السيد رام الحمد لله ومدير مخابرات السلطة، وما تبعه من تصعيد في المواقف، ورافقه من سباب وشتائم وقدح وذم وتهديد ووعيد. وإذ نؤكد على الاغتيال السياسي عمل مرفوض ومدان، ولا يمكن تبريره أو الدفاع عنه أو التستر عليه، إلا أن هذا الحادث وضع الساحة الفلسطينية في حالة انكشاف ووضع الشعب الفلسطيني أمام خطر الفوضى والتسيب والانفلاش أكبر بكثير مما هو عليه الآن. وأظهرت التصريحات والمواقف والخطابات أن ما يسمى المصالحة ما هو إلا هراء وكذب مفضوح، فلا رئيس السلطة الذي هدد بالويل والثبور وعظائم الأمور مع المصالحة، ولا سلطة حماس هي الأخرى تؤمن بها رغم ادعاءاتها المتلاحقة. إن التحقيق الذي تسارع اثر خطاب رئيس السلطة الأخير حول الحادث أسفر عن مقتل المشتبه به أو المرتكب، وهو أمر يثير الشكوك، ويطرح أسئلة كبيرة عما إذا كان المقصود طي الملف وتسجيل الحادث ضد مجهول ودفن الحقيقة يوم تشييع المتهم أو المشتبه به. لا يغيب عن بال أحد أن كل هذه الأحداث والتطورات تأتي على أبواب ذكرى يوم الأرض وبدء فعاليات مسيرة العودة ومحطتها الأولى نهاية شهر آذار، ومحطتها الثانية في ذكرى النكبة وعلى أبواب الذكرى ال (70) لإقامة الكيان الصهيوني واستعداد أميركا نقل سفارتها إليها، وأمام إمعان المستوطنين الصهاينة بإقامة احتفالات تهويدية حول الأقصى تحت اسم (قربان الفصح) وهو فعل مستوطنين يواصلون التطاول على الأقصى والنيل منه وتدنيسه. قضية فلسطين أمام كارثة حقيقة مادام الأداء والفعل الفلسطيني على هذا المستوى والقدر من الفعالية، وهو أداء يشكل بحد ذاته صدمة يتحمل مسؤوليتها الفريق الفلسطيني المتنفذ في المنظمة والسلطة، والفصائل التي تزداد تفككاً وتشرذماً. ولأن المخاطر كبيرة وجدية يجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام صدمة صنعتها له قيادته وفصائله، وتجد الأمة العربية نفسها أمام صدمة صنعتها لها الحالة الفلسطينية المتردية، ويشكل هذا فرصة سانحة، وفرصة ذهبية لمشاريع ومخططات التصفية التي بات يطلق عليها (صفقة القرن). في هذه المرحلة التاريخية الصعبة والخطيرة التي تمر بها قضينا الوطنية وأمتنا جمعاء نعلي الصوت من جديد، فلقد باتت مهمة إنقاذ قضية فلسطين مهمة وطنية لا يتقدم عليها مهمة، وبات إعادة الاعتبار لبرنامج المقاومة واجباً وطنياً يجب أن يحتل الأولوية. ونتوجه للجميع أن تعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا لنقف معاً موحدين لحماية قضينا من براثن التصفية وحقوقنا من مهاوي التبديد والضياع، وهويتنا الوطنية من مشاريع الطمس والإلغاء. فما يخطط لقضيتنا ليس قدراً لا مناص منه، بل أن هذا المعسكر المعادي برمته يتخبط بأزمة كبيرة ، فلم يعد القادر على صنع الحدث وفرض السياسات والحلول ، فهناك محور المقاومة الذي ازداد قوةً ورسوخاً، وثقافة المقاومة التي أثبتت جدواها وجدارتها، ونموذج المقاومة الذي بات يلهم كل الأحرار والشرفاء في أمتنا. فلنعد الاعتبار لأبعاد قضيتنا الوطنية، ولنتوجه لبناء تحالفات فلسطينية مع المقاومين في أمتنا، فهم اليوم يكتبون صفحات مجد هذه الأمة، ويفشلون كل المخططات الرامية لإخضاعها واستعبادها. أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة