وصل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى العاصمة الأمريكيةواشنطن، أمس الثلاثاء، في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أسابيع، سيزور فيها سبع مدن أمريكية، وستضمن لقاءات مع الرئيس دونالد ترامب، ونائبه مايك بنس، وعدد من نواب الكونجرس، ومسؤولين في الإدارة الأمريكية، بالإضافة إلى رؤساء الشركات الكبيرة. ووفقًا للخارجية السعودية، فإن الزيارة ستبحث عددًا من المواضيع المتعلقة، بالأزمة السورية والتهديدات الإيرانية وتهديدات الإرهاب، وإعادة الإعمار في العراق، والوضع في ليبيا، ومن الملاحظ، أن أجندة الزيارة السعودية للولايات المتحدة مفصلة على المقاس الأمريكي، فالخارجية السعودية لم تذكر من قريب أو بعيد التهديدات الإسرائيلية في المنطقة، ولم تتطرق إلى قرار ترامب المجحف بحق الفلسطينيين اعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، كما أن ملف تهديدات الإرهاب التي تنتوي الرياض مناقشتها مع واشنطن، قد يستهدف حركة حماس أيضًا، خاصة أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كان وسم الحركة الفلسطينية بالتطرف والإرهاب. وتريد واشنطن من خلال الزيارة، استغلال الرياض لإدارة حروبها في المنطقة العربية ومع موسكو؛ لتحقيق استراتيجيتها في عدم خسارة جنودها أو أموالها في وحل الشرق الأوسط، حيث أعلن مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية، أول أمس، أن ترامب سيبحث مع ابن سلمان، كيفية "إجبار روسيا على دفع ثمن" إجراءاتها في سوريا ودعمها إيران، ومن الواضح أن ولي العهد السعودي في طريقة لتطبيق الاستراتيجية الأمريكية؛ فمازال يعول على الدور الأمريكي لتثبيت نفسه كملك شرعي للسعودية، بعد إطاحته بمحمد بن نايف، ولي العهد السابق، وإسكات الأصوات الملكية التي مازالت ترفض تفرد ابن سلمان بالعرش، ولعل احتجاز الأمراء السعوديين في فندق الريتز كارلتون، جزءا من الصراع الخفي. وطالما تقحم واشنطنالرياض في حرب خاسرة مع موسكو؛ فمن قبل دفعت السعودية الثمن غاليًا عندما أغرقت السوق العالمية بالنفط للإضرار بمصالح روسيا، في ظل وجود اتفاق ضمني أمريكي – سعودي على الخطوة، الأمر الذي انعكس بالسلب على المملكة من خلال انخفاض أسعار النفط، ما أدى إلى حدوث عجز كبير في ميزانيتها، مازالت تعاني منه حتى اليوم، ويبدو أن ترامب ليس لديه ما يخسره بتوريط ابن سلمان في مواجهة مفتوحة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يحظى بولاية تستمر ست سنوات لم تبدأ بعدز ومن دون التطرق إلى الصين، حليفة روسيا التي يتمتع رئيسها بمدة رئاسية غير محدودة، نجد أن ابن سلمان حال تمكنه من تثبيت أقدامه كملك للسعودية سيدخل في توترات طويلة الأمد مع روسيا، وترامب الذي قد لا يكون موجودًا أصلًا في المشهد السياسي حال أصبح ولي العهد ملكًا، لن يمانع بتوتير العلاقات الروسية السعودية لعقود، كما أن لجوء ترامب لولي العهد السعودي في هذا التوقيت سيجنب واشنطن أي احتكاك نووي مباشرة مع روسيا، خاصة أن بوتين لوّح باستخدام السلاح النووي للدفاع عن روسيا وحلفائها من أي هجوم أمريكي، وهنا على المملكة أن تتحمل وحدها الضريبة النووية الروسية في حال أقدمت على استفزاز موسكو أو الدخول في حرب مع طهران، رغم أن الأخيرة تركت الباب مفتوحًا للحوار مع السعودية، حيث قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قبل أسبوع، أن "إيران أول دولة ستدافع عن السعودية حال تعرضها لعدوان خارجي"، وهي الإشارة التي لم يرغب ابن سلمان بتلقفها، فبعد أيام من تصريح ظريف صعّد ولي العهد السعودي لهجته مع طهران محذرًا من أن بلاده ستطور وتمتلك سلاحا نوويا إذا امتلكت منافستها الإقليمية إيران قنبلة نووية. وحتى اللحظة، لا تبدو السعودية مستفيدة من تحالفها مع واشنطن لتعتمد عليها في أي مواجهة مع روسيا، فالرياض غارقة في الوحل اليمني وحدها، وتتسول السلاح من أمريكا، فزيارة ولي العهد السعودي الحالية للولايات المتحدة، تسعى لوأد محاولات الكونجرس وقف الدعم العسكري الأمريكي للسعودية بسبب حرب اليمن، ففي الوقت الذي تدرس فيه وزارة الخارجية الأمريكية الموافقة على أكثر من مليار دولار من الأسلحة الجديدة للسعوديين، فإن المشرعين يدفعون باتجاه حل يقولون إنه سيمنع واشنطن من منح السعوديين ضوءا أخضر دائم لاستمرار النزاع، كما أن هناك تحرك في الكونجرس لسحب الولاياتالمتحدة من حرب اليمن. وفي أزمتها مع قطر، نجد أن أمريكا لم تقدم أي انحيازات واضحة للرياض على حساب الدوحة، رغم أن السعودية عقدت صفقة قاربت ال500 مليار دولار مع ترامب وصفت حينها بالتاريخية، بل على العكس، دمرت واشنطن علاقة السعودية بقطر، وأدخلتها في ورطة مع قوى إقليمية أخرى في المنطقة مثل تركيا، والأزمة التي تطورت أكثر خاصة أن الدوحة وأنقرة تشكل حاضنة إخوانية في المنطقة، وكان ابن سلمان تعهد في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة سي بي اس نيوز الأمريكية نشرت الأحد الماضي، بالقضاء على "فكر الإخوان الذي غزا المدارس السعودية". وهنا نجد أن ابن سلمان سيقع في ورطة حال مجاراته ترامب بشأن العداوة لروسيا، فترامب أمريكا كما أوباما أمريكا، ليسا حلفاء دائمين للرياض، فقانون جاستا يشهد بذلك، وفي عهد ترامب، نجد أن الأخير ينظر إلى السعودية كبقرة متى جف حليبها سيذبحها، كما أن الوضع الداخلي للسعودية المرهق اقتصاديًا والمهلل سياسيًا لا يخدم ابن سلمان في توسيع دائرة الحروب والصراعات للمملكة، خاصة مع دول إقليمية قوية كإيران وعالمية كروسيا.