ظل العديد من الصناعات اليدوية بمحافظات الصعيد عائلا لأصحابها على مدار عقود كثيرة، ومثلت مصدر رزق أساسي لقطاع عريض من المواطنين للإنفاق على أسرهم، فما بين البساطة والدقة والإبهار، كانت تتوسع الصناعات ومنتجاتها بكل منطقة وفي كل بيت، فتحت شعار "الصنعة بيدي، والماركة صعيدي"، ظل أبناء الصعيد يغزون محافظات مصر وبعض الدول الخليجية بمنتجاتهم البسيطة، إلى أن دار عليها الزمان. وعرف العاملون بالحرف التراثية غالبية الصناعات اليدوية من الأجداد والفراعنة، المدونة على جدران العديد من المعابد والمقابر الأثرية، معتمدين على استغلال المواد الأولية من البيئة المحيطة بهم، سواء "الجريد" أو "الطين" أو بقايا الأقمشة، وتحويلها إلى منتجات أو ماكينات للتصنيع، إلا أن هذه المهن بدأ تندثر في السنوات الأخيرة؛ لعدة معوقات أبرزها ضعف التسويق، وعدم القدرة على منافسة التكنولوجيا ومنتجاتها السريعة التي تغرق الأسواق بصرف النظر عن عدم جودة الكثير منها، بل وفسادها. الكليم اشتهرت صناعة الكليم في الصعيد خاصة في محافظات الوادي الجديد وأسيوط ومرسى علم، بأنها حرف لأصحاب الذوق الرفيع، وتناسب جميع الأذواق للعامة، فمنتجاتها لم تقتصر على المفروشات التي توضع على الأرض فقط، بل يعتمد عليها آلاف المزارعين والبسطاء لاستخدامها كمفروشات بالمناضد والمقاعد بديلًا للبطائن القطنية. وتستغرق صناعة الكليم الواحد وقتا طويلا وجهدا شاقا من صاحبه، مستخدما "النول" لترتيب وتضفير الخيوط والأقمشة لنسج الشكل الذي يرغب فيه، لبيعه بعد ذلك والحصول على مبالغ مالية لا تعدو 200 جنيه للمتر الواحد، الذي يستغرق يومين تقريبا للانتهاء منه، ومع تقدم التكنولوجيا عانت الصناعة بشكل كبير، وانحصرت في مناطق قليلة بالمحافظات، وأصبحت تعتمد على طلبيات الفنادق التي تستخدمها في بعض الاستراحات لجذب السائحين في جلسات السهر والتي يغلب عليها الفنون الشعبية. منتجات صناعة الكليم حاليًا أصبحت تعاني بشكل كبير، في ظل غلاء الأسعار وارتفاع أسعار المواد اللازمة للنسيج، مع عدم التمكن من تسويق المنتجات بالشكل المطلوب، وتوقع أصحابها أن تختفي في خلال ال10 سنوات المقبلة. الطاحون البلدي وحتى وقت قريب، كان يمثل الطاحون البلدي مصدرًا لرزق المئات بل الآلاف في قرى الصعيد، ذلك المطحن الصغير المكون من حجرين يعلو بعضهما الآخر، يتوسطهما فراغ بطول 10 سنتيمترات تقريبا، ومقبض حديد، إذ تتسع الفوهة لوضع الحبوب التي لا تزيد عن نصف كيلو من الأعلاف التي يرغب الشخص طحنها، ليبدأ صاحب الطاحون باستخدامها بشكل دائري، وإضافة الحبوب كلما تمكن من سحق الكميات السابقة بحد أقصى كإجمالي للطاحونة كيلو جرام واحد، وبعدها يبدأ في جمعها وإضافة الكميات الأخرى. ويستخدمه البسطاء في طحن العديد من المأكولات خاصة القمح، الذي يستخدمونه في الخبز والفطائر المختلفة، وكذا فرم الفول والعدس لاستخدامات شتى ولتقديمها للطيور التي تربى منزليا، غير أن الكثيرين كانوا يجمعون كميات من الأهالي لطحنها نظير مبالغ زهيدة لا تعدو جنيهين للكيلو الواحد من الدقيق، و3 جنيهات لكيلو الفول والعدس. ومع استحداث أساليب حديثة ومتعددة للطحن، ظهر بالأسواق والمدن العديد من الماكينات الأخرى، بل بيع غالبية تلك المنتجات في صورتها المطحونة من خلال الشركات والمطاحن الخاصة التي انتشرت بشكل كبير، لتواجه أيضا تلك الحرفة التراثية شبح الاندثار. النحاسي المعاناة نفسها التي طالت غالبية الحرف اليديوية، لم تترك "النحاسي" يستكمل مسيرته في خدمة البسطاء، إذ يشتهر صاحب تلك المهنة بعمل منتجين شديدي الأهمية لدى الكثيرين، أولهما "الحصالات" والعلب الحديدية ذات الأٌقفال الصغيرة، التي يجمع فيهما الأموال، خاصة لدى المزارعين المستأجرين، وأصحاب الأعمال البسيطة، وثانيهما تصنيع "الأقماع والمعيار" التي يقبل عليها الكثير من أصحاب الورش، وبعض محلات البقالة. الغلاء الذي أصاب المواد الخام، جعلت النحاسي يتركون غالبية تلك الصناعات، ويتوجهون لاستخدام مواد أخرى منها الاستنلس والتحول لمنتجات أكثر ثمنا لتعويض ما يدفعونه من مبالغ كبيرة للحصول على ألواح الاستنلس والتي تكبدهم أموالا كثيرة لا تتناسب مع حجم ما يتم تصنيعه. الدولة حاولت الحفاظ على ما تبقى من التحرف التراثية والتي اندثر غالبيتها؛ بإنشاء غرفة صناعة الحرف اليدوية بمقتضى القرار الوزاري رقم 964 لسنة 2015، وفي سبتمبر 2016، تم إجراء أول انتخابات لمجلس إدارة الغرفة بالاقتراع الحر، إلى أن صدر قرار جمهوري في 2017 الذي خص الغرفة وجعل منها هيئة حكومية لها شخصيتها الاعتبارية كونها إحدى المؤسسات العامة. وأكد مسعد عمران، رئيس غرفة الحرف اليدوية، وقتها، انتهاء الغرفة من دراسة تستهدف خلق تنمية صناعية ب6 مناطق لتعزيز دور الحرف اليدوية بها، وأن الدراسة معنية ب60٪ من محافظات الصعيد، مضيفا أن الخطة تستهدف 50٪ تصديرًا من إنتاج تلك المناطق بالتعاون مع المجلس التصديرى للحرف اليدوية، وأن الغرفة تقوم بكل ما يلزم لتعزيز الحرف اليدوية بالصعيد، وتطوير القائم منها فعليًا والتدريب الفني للعمالة الموجودة هناك. وأوضح عمران أن أهم الركائز الأساسية لاستراتيجية الغرفة هي تدريب العمالة، والعمل على جودة المنتج المصري، ودراسة الأسواق الخارجية لاستيعاب المنتجات ورفع القدرة الإنتاجية، مضيفًا أنه يجري في الاستراتيجية إجراءات دمج للقطاع غير الرسمي لنظيره الرسمي، بالإضافة إلى عمل نظام ضريبي مع وزارة المالية لتحفيز الدخول بالقطاع الرسمي، والعمل على إيجاد سبل لتوفير الخامات المطلوبة لجميع القطاعات، والإشراف على التغليف والتعبئة للتأكيد من سلامة المنتج المصري، مع ربط التعليم الفني ببرامج التدريب للغرفة من خلال تدريبهم وتوظيفهم بمقابل خلال فترة التدريب في ورش القطاع ويتم التأمين عليهم بعد التخرج والتوظيف، من خلال توقيع برتوكول مع وزارة التعليم الفني. القفاصجي لم تختلف حرفة القفاص عن سابقيه، إذ يجسد القفاصون أو كما يُطلق عليهم البعض "القفاصجي" مثالًا للفن والدقة والمهارة في تنصيع المنتجات الخشبية من جريد النخل، حيث اشتهروا بصناعة الأقفاص الخشبية والتي تستخدمها الأسواق كافة لوضع الخضار والفاكهة بكميات كبيرة وغيرها من السلع الأخرى. بعد إنشاء العديد من مصانع البلاستيك، بدأت تعاني مهنة القفاص من مصاعب الحياة، بعد امتلاء الأسواق بكميات كبيرة من نفس المنتج البلاستيكي، الذي يتحمل كميات أكبر من الخشبي، ولا ينكسر بسهولة، الأمر الذي جعل أصحاب تلك المهنة يتحولون لصناعات أخرى، ولها زبائنها من أصحاب الذوق، إذ بدأوا في صناعة الكراسي الخشبية من الجريد، واستحدثوا به أساليب جديدة وأشد جذبا، منها "الكرسي الهزاز"، وبعض المناضد ذات الضفائر بسعف النخيل والجريد. واشتهر مركز العدوة بمحافظة المنيا، ومحافظة الفيوم بصناعات جريد النخل، إلا أن عدم الاهتمام بتنمية تلك الصناعات جعل أصحابها يعزفون نسبيا عنها، خاصة مع غلاء الأسعار، وتفضيل العديد من المواطنين المنتجات الحديثة، التي غالبا ما يكون سعرها أقل من ذلك الأثاث الخشبي، وتصنيعه والحصول عليه أسهل. الفخار تعد صناعة الفخار الأكثر حظا عن نظائرها؛ إذ مازالت تحتفظ ببعض أصحابها رغم قلة أعدادهم عن العقود السابقة، ويقوم صاحب الفخار مستخدما الطين المحروق بعمل عدة منتجات أكثرها شيوعا "الزير" الذي يعد بمثابة ثلاجة الفقراء بالقرى والنجوع، ويستخدمه آلاف المزارعين في الحقول للحصول على مياه رطبة، وكذلك تصنيع "الطواجن"، التي أيضًا يكُثر استخدامها في محافظات الصعيد لعمل المأكولات المختلفة بها.