يبدو أن الحكومة الرشيدة مصرة على إخفاء إنجازاتها حتى لا يحسدها "أهل الشر". فرغم كل ما يردده المسؤولون في مصر عن نجاح الإصلاح الاقتصادي وانبهار العالم بما نحققه من قفزات تنموية غير مسبوقة خرجت علينا وكالة "بلومبرج" وهي أهم وكالة أنباء اقتصادية في العالم لكي تقول إن الشعب المصري يحتل المرتبة الرابعة في قائمة أكثر شعوب العالم بؤسا من الناحية الاقتصادية وفقا للمؤشر السنوي الذي تصدره الوكالة. كانت مصر تحتل المركز الثامن عشر على هذه القائمة عام 2014 وهو ما يعني أن أوضاع الشعب الاقتصادية تدهورت بصورة كبيرة خلال السنوات الأربع الماضية، رغم كل المشروعات القومية العملاقة التي يتم بث احتفالات افتتاحها على الهواء مباشرة. ففي عام 2015 ظلت مصر خارج قائمة الدول العشر الأشد بؤسا اقتصاديا في العالم، قبل أن تدخلها عام 2016 لتحتل المركز الخامس ثم تتدهور الأوضاع لتصبح في المركز الثاني عام 2017 ثم يتحسن الوضع قليلا عام 2018 فتصبح في المركز الرابع. يعتمد تصنيف الدول في هذا المؤشر الذي تم إطلاقه أول مرة عام 1962 على حساب عاملي معدل التضخم ومعدل البطالة في أي دولة. وذكرت بلومبرج في تقريرها السنوي الأخير إن ارتفاع الأسعار والتضخم كان سببا أقوى من معدل البطالة في زيادة بؤس الكثير من شعوب العالم. وبحسب المؤشر فقد كانت تايلاند الأقل بؤسا وتلتها سنغافورة ثم اليابان ثم سويسرا وأيسلندا على القائمة التي تضم 66 دولة من مختلف قارات الأرض. هذا التقرير الدولي المعترف به، يعني ببساطة إما أن الإنجازات والمشروعات التي تتحدث عنها الحكومة وهمية أو أنها بلا تاثير حقيقي على الواقع الذي يعيشه المواطن المصري. فإذا كانت الأولى فهي مصيبة وإذا كانت الثانية فالمصيبة أكبر لأنها تعني أن هذه المشروعات بلا جدوى حقيقية وأن ما يتم إنفاقه فيها هي أموال مهدرة، وبالتالي يجب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية للدولة المصرية من أجل ضمان وصول عائد الإنجازات والإصلاحات إلى كل طبقات الشعب. المشكلة أن كلام الحكومة غالبا ما يكون في اتجاه والواقع على الأرض والتقارير الدولية في اتجاه آخر. فالحكومة كما قلنا في مقال سابق تملأ الدنيا ضجيجا عن الحرب على الفساد، ثم يأتي تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير ويقول إن معدلات الفساد في مصر تتزايد وتصنيفها على مؤشر الفساد يتراجع من المركز 108 في 2016 إلى المركز 117 في 2017. والحكومة تحاصرنا بأخبار المدن الجديدة والمشروعات السكنية العملاقة وبناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية، ثم نفاجأ بأن أسعار الشقق تقفز قفزات متلاحقة وهو عكس المنطق في أي مكان من المعمورة. فالمفترض أن تؤدي هذه المشروعات العظيمة إلى زيادة المعروض والتالي إلى انخفاض الأسعار، لكن الواقع يقول إن الحكومة نفسها ترفع أسعار ما تبنيه من وحدات سكنية من جميع المستويات. ومن يتابع إعلانات المشروعات الحكومية سيكتشف هذه الحقيقة بسهولة. فعلى سبيل المثال رفعت الحكومة ثمن الشقة في الإسكان الاجتماعي الذي يستهدف الفقراء ومحدودي الدخل من 134 ألف جنيه في الإعلان السابع الصادر في يوليو 2015 إلى 154 ألف جنيه للشقة في الإعلان الثامن ثم إلى 184 ألف جنيه في الإعلان التاسع، قبل قرار مجلس الوزراء الأخير بزيادة السعر في الإعلان العاشر المنتظر إلى 230 ألف جنيه للشقة تقريبا. وما قيل عن قطاع الإسكان يقال عن الأسماك حيث ارتفعت أسعارها بشدة رغم كل ما يقال عن مزارع الأسماك الأكبر على مستوى الشرق الأوسط وعن المنتجات الزراعية التي ترتفع أسعارها رغم ما يقل عن استصلاح 1.5 مليون فدان وعن "الريف المصري الجديد" وال 100 ألف صوبة وغير ذلك. الدولة تقدم للشعب إنجازات على شاشات التلفزيون والشعب يدفع ثمن هذه الإنجازات من أمواله في صورة ضرائب ورسوم وأسعار لا تتوقف عن الارتفاع، وعندما تأتي لحظة جني الثمار لا يجد شيئا، أو على الأقل لا يجد شيئا حتى الآن. فهل ستعيد الحكومة النظر في سياساتها الاقتصادية وفيما تندفع نحوه من مشروعات "عملاقة" لا تحقق للناس أي مردود، أم ستواصل اسطوانتها المشروخة عن البناء من أجل المستقبل وأن التنمية التي تبهر العالم ولا عزاء للشعب؟