مستأذنا المشير، مستعينا بمنتج “البيت بيتك”، وقيل عبد الله كمال أيضا، وعلى خلفية “اخترناه”، يحاول الفريق أحمد شفيق أن يبيع لنا وهم أنه المخلِص مزكيا نفسه بما يقول إنه نجاح في إدارة الطيران المدني. هل قامت ثورة وذهب شهداء وسالت دماء، بعضها والفريق في موقع المسؤولية، لنستبدل شفيق بمبارك بالعناصر والوجوه نفسها، بل والأوهام، ومن قواعد الطيران أيضا. هل سقطت خرافة “مبارك قائد الضربة الجوية” لتقوم أخرى عنوانها “شفيق قائد انطلاقة الطيران المدني”؟. لن أحدث الفريق شفيق عن الحياء ؛ فلا معنى له في واقعية السياسة، ولو كان شعر به لحظة لما خرج علينا في ثياب الثوار يعاتب من كانوا في الميدان على تركه ويقول إن شبابا منهم على اتصال به ويعترفون بين يديه بأخطائهم طالبين صكوك الغفران. بعيدا عن الحياء، فإن الفريق شفيق الذي يعيد تدوير نفسه في ماكينة الإعلام ويخرج من الشاشات على حصان أبيض، هو أحد المسئولين سياسيا عن موقعة الجمل، تلك المعركة الفاصلة في مسيرة الثورة. وإن لم يكن الفريق يشعر بذنب تجاه النظام الذي سقط بفعل هذه المعركة، فليس له أن يخرج غاسلا يديه من دماء الشهداء والمصابين متنصلا من أية مسؤولية. العالم المتقدم الذي يطيب للفريق التغني به ويعدنا بأن ينقلنا إليه في شهور يستقيل فيه المسئول المحترم لأن قطارا خرج عن القضبان، فما بالنا بنظام كامل، كان هو جزءا منه، خرج عن الشرعية ورعى قتلة ومجرمين. إن الأصول التي يقول الفريق إنها كانت دافعه إلى الاعتذار عن موقعة الجمل زاعما أنه ليس مسئولا عنها هي التي كانت تحتم عليه أن يغيب عن المشهد ، لا أن يعيد التسلل إليه مسوقا أن له قاعدة شعبية عريضة لعلها في قصور التجمع الخامس. ومشكلة الفريق، وهي أخر رتب مبارك العسكرية، أن انتماءه إلى نظام ساقط تزين له سوء الرهان على بساطة الناس أو قصر ذاكرتها، لكنه لا يعلم هذه المرة أن الأمر ليس انقلاب حافلة أو انهيار صخرة على سكان، بل هي ثورة رسمت بداية قطيعة مع مرحلة بكاملها. وهذه البداية مكتوبة بدماء وعيون فقئت وتضحيات لا تزال تتوالى، ومن العبث تصور أن كل ذلك كان يمهد الطريق لشفيق الذي يملك من الجرأة ما يجعله يهدد هنا ويتوعد هناك. لو كنت أثق في قدرة الفريق ومن يدير حملته على استيعاب ما جرى لطالبت الناس في كل مكان أن يرفعوا في وجهه لافتات تذكره بأن “الإحساس نعمة” و”اللي اختشوا ماتوا”، لكن ذلك لن يجدي. البادي أننا إزاء عناد من النوع المباركي وسمع ثقيل وإدراك يتأخر كثيرا وخطاب مفتعل يراهن على النسيان وطيبة الناس، وهي مصائب أسقطت المخلوع في وقت كان فيه المحيطون به يخدعونه بأنه ينبوع الحكمة المتفجر في عالم من المجانين. وهي المصائب نفسها التي تحيط بالفريق قبل أن يحلق بنا، عدنا إلى الطيران ثانية، في النعيم وتحوله إلى “سبوبة”، أو مرشح بنظام المنتج المنفذ وكأنه حلقة في “البيت بيتك”.