نداء جانبي كان يتردد من بائع ثلاثيني في محيط محطة مترو جمال عبد الناصر بميدان "الإسعاف" في وسط القاهرة لبيع دواجن مستوردة مطبوعا عليها اسم "lepon" و"swift"، واللافت، أن كميات كبيرة كانت معبأة في "كراتين" ورقية دون وجود ثلاجات لحفظها من أجل ضمان أمانها، لكن العرض كان مغريا لكثير من المارة، ما دفعهم للتزاحم أمام سلم المترو للتأكد من صلاحية الدواجن المعروضة برخص التراب كما قال أحدهم "أنا بصراحة اتفاجئت بالسعر المعروض ده وأول حاجة بصيت على الصلاحية لقيتها هتنتهي آخر الشهر، وتساءل: "يعني لما نشتري الفرخة من بره ب45 و50 جنيها، نلاقي الأربعة هنا بنفس السعر طبعا لازم نخاف.. ونسأل مصدر الفراخ دي ايه؟". نفس العرض كان في منطقة أخرى بكميات وعروض أكبر في إمبابة «4 فرخات ب50 وعليهم لتر بيبسي، وال8 ب100 جنيه وعليهم كيلو رز»، ما وضع العديد من علامات الاستفهام حول سر انتشار بيع دجاج lepon البرازيلي في الشوارع والميادين ومن المسؤول عنه وأين وزارة الزراعة والهيئة العامة للخدمات البيطرية من الرقابة عليها؟ وكيف دخلت تلك الكميات الهائلة إلى مصر، رغم من تواريخ صلاحيتها التي شارفت على الانتهاء؟ عدد من الشكاوى والبلاغات التي قدمت ضد بائعيها، رصدتها "البديل" في أكثر من منطقة داخل القاهرة وبعض المحافظات على مدار الأيام الماضية نتيجة اهتراء أنسجة الدجاج بعد ذوبانها من الثلج، فضلا عن مخالفة بيع دواجن مجمدة في الشوارع دون حفظها في ثلاجات عرض تضمن درجات الحرارة السليمة لعرضها وتخزينها بالمخالفة لجميع الاشتراطات الصحية السليمة، فالبائع يعرضها على الرصيف كما يعرض أحدهم الملابس والأحذية، فتذوب الثلوج منها، ويعيد تجميد ما تبقى من كميات ليعرضها مرة أخرى، فيتم ذوبان الثلج منها مرة أخرى، ما تسبب في اهتراء أنسجتها، كما اشتكى بعض المواطنين الذين اشتروا منها. خطورة صحية وقال الدكتور خالد العامري، نقيب الأطباء البيطريين، إن الدواجن المستوردة التي تباع على الأرصفة الأربعة بخمسين جنيها، ويتم بيعها في بعض المنافذ والمجمعات الاستهلاكية بسعر 17 جنيها للكيلو وبعضها مدون عليها تاريخ انتهاء الصلاحية الشهر الجاري، يدور حوله لغط كبير وأمر ذي خطورة بالغة يتعلق بصحة المصريين. وزير التموين علي مصيلحي، قال في تصريحات صحفية، إنه تم التعاقد مع شركات خاصة لاستيراد 46 ألف طن دواجن شهريا لبيعها بأسعار مخفضة، نافيا انتهاء صلاحيتها "دي إشاعات يطلقها البعض من رجال الأعمال لأنهم غيرانين مننا.. عملنا أوكازيون لصالح المواطن". وأكد وزير التموين، أن الدواجن المعروضة بمنافذ المجمعات الاستهلاكية وفروع الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية جيدة، وأن "مدة صلاحيتها حتى شهر مارس المقبل"، موضحا أن تخفيض سعر الدواجن "عرض وطلب"، لافتا إلى أن التكلفة الفعلية تبلغ 24 جنيها للكيلو، وأن الوزارة تحرص على تقديم عروض جيدة للمواطن، وتتحمل الشركة القابضة فارق التكلفة. كما أشار مصيلحي إلى أن الكميات المتبقية من الدواجن المجمدة تقترب من 6 آلاف طن، موضحا أن الحكومة اتفقت مع اتحاد المنتجين لتوريد الدواجن المحلية، في وقت سابق، لكن تم توريد 7% فقط من الكمية المتفق عليها، ما اضطر الوزارة للجوء إلى استيراد دواجن برازيلية، مشددا على صلاحيتها "أنا مسؤول عن حماية المستهلك، ولن أقبل بأي شيء يضره". لحوم ودواجن فاسدة بعد بحث سريع على شبكة الإنترنت عن ماركة الدواجن المستوردة المعروضة "lepon"، توصلنا إلى وجود شبهات حول منتجاتها في الفترة من نوفمبر 2017 في كندا وتحديدا فساد معلبات شوربة الخضار، ورغم توقف عدد كبير من الدول عن الاستيراد لأسباب صحية؛ لكن أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية استئناف استيراد اللحوم والدواجن من المجازر المعتمدة من الهيئة العامة للخدمات البيطرية بالبرازيل، في ظل استمرار التحقيقات الجارية في البرازيل منذ عامين في قطاع تجهيز اللحوم وتعليبها، واتهمت خلالها الشرطة أكثر من 100 شخص أغلبهم من مفتشي الصحة بتلقي رشوة للسماح ببيع منتجات فاسدة أو تزوير وثائق تصدير أو تجنب تفتيش منشآت تعبئة وتغليف اللحوم. وأوقفت السعودية والصين ودول أخرى استيراد اللحوم والدواجن البرازيلية، وقال بيان وزارة الزراعة المصرية آنذاك، إن استيراد اللحوم من البرازيل يخضع لرقابة مزدوجة من البلدين، وأضاف أن المجازر التي تستورد منها مصر "معتمدة من قبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية وتتم عمليات المعاينة للتأكد من مطابقة الأوراق والفحوص المعملية والتأكد من وجود ذبَّاح مسلم، والتأكد من أن عمليات الذبح تتم وفقا للشريعة الإسلامية"، وتابع أن رقابة أخرى تجري في مصر قبل وصول اللحوم والدواجن المستوردة إلى منافذ التوزيع، بحسب رويترز. غرفة الدواجن تحذر من جانبه، قال الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة باتحاد الغرف التجارية، إن بيع الدواجن بسعر 17 جنيه للكيلو، سيساهم في تشريد عمالة تبلغ نحو مليوني عامل في المزارع والمجازر ومعامل التفريخ، ومحلات بيع الدواجن الحية يعولون أكثر من 8 ملايين فرد، وإهدار استثمارات تقدر ب25 مليار جنيه، مؤكدا أن ما كان يتم استيراده من كميات يعتبر دجاجتين مقابل 8 دجاجات يتم إنتاجهم محليا. وأضاف السيد أن الخطر يكمن في تحكم دول صناعة الدواجن الأجنبية في المعروض منها بالسوق المصرية، حيث تلجأ إلى سياسة الإغراق، فتدعم صناعة الدواجن مثلا للمربيين، لخلق ميزة سعرية قادرة على المنافسة من أجل التصدير، وبذلك تنجح في تدمير صناعة الدواجن الوطنية، حتى إذا تأكدت من عدم امتلاك مصر قدرة على إنتاج احتياجاتها، رفعت الأسعار تدريجيا، بعدما تكون امتلكتها، ليبلغ سعر كيلو الدواجن 60 و100 جنيه، بعد 24 جنيها، في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف، ومصدر الطاقة والتدفئة، وكل مدخلات التربية المحلية. وتابع رئيس شعبة الثروة الداجنة باتحاد الغرف التجارية، أن معدل استهلاك المصريين للدواجن يعد الأقل على مستوى العالم (10 كيلو جرام للفرد سنويا)، في الوقت الذي يزيد على 20 كيلو جرام في إفريقيا، و40 كيلو جرام في دول الخليج العربي، و70 كيلو جراما في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا، مؤكدا أن الدواجن المجمدة كانت الدولة تفرض عليها جمارك بنسبة 30% حماية للصناعة الوطنية، والتي تعد صناعة قوية وتستحوذ على 90% من السوق، لكن الصفقة الأخيرة تم إعفاؤها من الجمارك، ما يهدد بإغراق الصناعة الوطنية. إلغاء الجمارك كانت الحكومة أصدرت قرارا وزاريا مفاجئا العام الماضي، بإعفاء كميات الدواجن المستوردة من الخارج في الفترة من 10 نوفمبر 2016 وحتى 31 مايو 2017 لاتجاه الدولة، ممثلة في المجموعة الوزارية الاقتصادية، لرفع الجمارك عن الدواجن المستوردة، بحجة توفير دواجن بسعر رخيص للمستهلك المصري، القرار الذي تم التراجع عنه بعد أسابيع قليلة بسبب تصاعد الهجوم ومخاوف التجار وأصحاب المزارع من تهديد الصناعة المحلية. في المقابل، أكد أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية والإفريقية، أن كمية الدواجن المستوردة محددة سلفا؛ لأنها ستكون في حدود 50 ألف طن فقط خلال فترة زمنية محددة، وبالتالي لن يؤثر على الصناعة المحلية، مضيفا أن المجمد يغطي 150 ألف طن من حجم السوق؛ يعني 150 مليون فرخة، وهذا لا يمثل أكثر من 12% من السوق.