“أرقام سرية” هو العنوان الذي اختاره ميسرة صلاح الدين لديوانه الصادر عن دار صفصافة”والحاصل على المركز الأول لشعر العامية في مسابقة الهيئة العامة لقصور الثقافة 2009.وتأتي أهمية هذا العنوان في كونه مفتاحا دلاليا لقصائد الديوان وكشفا عن بعض ملامحه الخاصة.. ” النضارة السودا القلب المتقفل دايما بالأرقام السرية العطر حيادي الإحساس أنا دلوقتي مسلح جدا ممكن اواجه ..كل الناس ” هكذا أتى ذكر الأرقام السرية في قصيدة حرب باردة كشفرة خاصة بالأنا تكوّن مع النضارة السودا والعطر الحيادي سلاحا لمواجهة العالم..حاجزا يفصل الذات عن هذا العالم الذي كشف لنا عنوان القصيدة الصراع القائم بينهما..تلك “العزلة” التي اختارتها الأنا تلك المسافة الفاصلة بين الأنا و”الآخر/العالم” إحدى السمات التي سنجدها على امتداد الديوان..ففي قصيدة تمثيل نقرأ: ” بعد ماصرّخ أوي م الخوف خاف ليكون الناس شايفينه غمّى مشاعره وكرمش عينه مثل انه مابيصرخش لكن الدنيا عشان بتخوّف كل الناس حبوا التمثيل ” إنها إخفاء حقيقة الذات مرة أخرى..الإختباء والدخول مع العالم في الحرب الباردة والصراع الغير مرئيّ لكنه محسوس نشعر بتوتراته ..صراع تكون فيه الأنا طرفا و”كل الناس” طرفا آخر دون استثناء لذا لا تجد الأنا من تكتب إليه رسالة واحدة في قصيدة”فاي”: ” من غير ما ابعت رسايل قاعد..مستني رد! ” وفي قصيدة”يوم عصيب” نجد عزلة من نوع آخر..عزلة إجبارية بالموت حيث تواجه الأنا قدرها وحيدة: ” كان يوم عصيب بعد الدموع السخنة ما هاتبرد هافضل لوحدي وعملي كله اتحمّله ” ملمح آخر تكشف عنه “الأرقام السرية” لميسرة صلاح الدين..هو ذلك “المسكوت عنه” ..فنحن لا نعرف أسباب تلك العزلة أو الصراع في قصيدة حرب باردة ..وفي قصيدة أوضة ضلمة والفصل الثاني يظل ماضي الأنا مجهولا لتدلنا عليه في الحاضر مجرد إشارات تخفي أكثر مما تبدي: ” بهدوء شديد فتحت الباب الخشب..واتسحبت الأوضة كانت ضلمة كحل وانا كنت أغمق ركن في الضلمة ” والشاعر كان بارعا فيما يمكننا أن نسميه”صنع الحكاية الشعرية”..ففي قصائد ك:أوضة ضلمة:الفصل التاني:المحفظة،كان الشتا،صياد فراش،عقدة ذنب،يوم عصيب..نجد صوت تلك الحكاية من خلال الفعل كان بما يذكرنا ب”كان ياماكان” في الحكي الشفاهي: ” كان الشتا شبهي أوي كان مستهين بالوحدة..كبر ولخبطة أو:طول عمره كان صياد فراش كانت صور فراشات كتير متعلقة على كل جدران ذكرياته و:كان يوم عصيب الخلق وقفت صف وانا قبل الإمام ” إنها تلك الدراما الشعرية التي تخلقها القصيدة مستعينة بأدوات استخدمها الشاعر ببراعة فرسم لنا مشاهدها متنقلا بين شخوصه وأماكنه وأزمنته ..: ” الأوضة كانت ضلمة كحل فطفيت سيجارة في كفي وقلبت السرير ” ونخرج من “الأوضة الضلمة” لنذهب إلى المقهى في قصيدة عقدة ذنب : ” كان قاعد دايما في الترابيزة اللي قصادي عمال بيزود سكر يمكن يقدر يتخلص م الإحساس بمرارة الذنب ” حيث الأنا في القصيدة تصبح عين الكاميرا التي تتتلصص على الحكاية: ” كان نفسي يألف أي نهاية سعيدة علشان مش عايز أدفع تمن الحزن اللي بيشربني وأقوم ” ربما لم يحفل الديوان في دخول عالم لم يُطرق من قبل..لكنه كان حريصا على صنع عالمه في رصد العادي بتفاصيله باستخدام صورة شعرية تحاول البحث عن خصوصيتها : ” شبك الضباب في ملامحه..نسّل ضحكته وملامحه بالطو قديم ودايب م الزمن ..” ” و:أنا ما اعرفوش فضيت جيوب الشفقة واديتله ابتسامه..”-قصيدة المحفظة- ” أجمل نجوم السما ..نزل في إيدي اليمين حسيت براءته في كفي ونوره على وشي غمضت عيني انما..روض خيالي الشوف.. ” وقصيدة نوّة: ” كانت شفايفك نوة وعيونك شبك يعني الليلادي البحر هيبات عندنا. ” إيمان السباعي مواضيع ذات صلة 1. ميسرة صلاح الدين : لما الدنيا بتقسى عليه 2. برنامج جلال عامر فى البرلمان .. قراءة ساخرة للواقع المصري بقلم جلال نفسه 3. “بيت الشعر” يحتفل بذكري صلاح جاهين 4. قطة وقديسة وجنية:الوش المحروق للحقيقة 5. طارق إمام :حيث لا تنبح الكلاب