يخرج أبو محمد، حاملا بيده بعض الأغطية غير المبللة بالأمطار التي تتساقط على قطاع غزة خلال المنخفضات الجوية، ويحمل بيده الأخرى طفلته دلال، مهرولا إلى بيت أخيه الذي يبعد عنه ما يقرب من 100 متر، ثم يعود إلى الصندوق المعدني الذي يعيش فيه منذ أكثر من عام، بعدما منحته له الحكومة عقب سقوط بيته في الحرب الأخيرة، ويعود مسرعا لإحضار أطفاله الثلاثة الآخرين وزوجته، قبل أن يصل علو المياه "كارافانه" إلى أكثر من 15 سنتيمتر. يحكي أبو محمد، الحاصل على بكالوريوس في الفيزياء، ذكريات ليلته الماضية في إعادة ترتيب كارفانه، قائلا: "نحن نقيم في الكارافان منذ أكثر من عام ونصف، دون إضاءة أو تدفئة، أو حتى زيارة من أحد المسؤولين، يقدم حلا لما نعانيه بسبب الحرب التي دمرت منازلنا". "بعد 4 سنوات من الحرب الأخيرة التي دمرت آلاف المنازل، مازال هناك عائلات لم يتم تعويضهم عن منازلهم، وتركوا في الكرافانات التي لا تناسب الحياة الآدمية بالمطلق".. هكذا قالت أم محمد، التي تعاني داخل الكارافان، مؤكدة أنه لا يقي من برد أو حرارة، فلا يزيد سمك الجدار المعدني عن 1 سنتيمتر، ومع الموجات الباردة، يتحول إلى ثلاجة. وأضافت أم محمد: "إذا أردت طهو طعامي، عليَّ أن أحمله معي لبيت أخو زوجي، ثم أعود به ناضجا لنأكله"، مستطردة: "حتى إذا أردت أن أصنع قهوة أو شايا، علي أن أذهب لأقرب مكان يتوفر فيه ما يلزمني، ولا يمكن أن أصف الكارافان بالمنزل، خاصة أنه يتحرك مع العواصف والرياح الشديدة، ويتساقط الأثاث منه". ويعزو خبراء الاقتصاد استمرار وجود الكرافانات حتى الآن وعدم تنفيذ خطط إعادة الإعمار منذ العدوان الأخير، إلى بطء عملية إعادة الإعمار، وما يسمح الاحتلال بدخوله من المعابر التي يسيطر عليها من مواد بناء وأسمنت، إذ يقول ماهر الطباع، الاقتصادي المسؤول عن ملف إعادة الإعمار: "خلال العامين التاليين لنهاية الحرب، لم يدخل سوى احتياج شهرين من المواد، وما دخل بعد هذه الأعوام، جاء بشكل متقطع نتيجة الإغلاقات وإيقاف إدخالها بشكل متعمد ودون إبداء أسباب من قبل الاحتلال، رغم أنها مدرجة تحت بند المشاريع الإغاثية". وبحسب شركة شلتر كلاستر الدولية، إذا دخل 400 شاحنة يوميا لقطاع غزة من مواد البناء وإعادة الإعمار، فإن الانتهاء منه سيكون خلال 5 سنوات، أما إذا استمر بنفس الشكل الذي يتبعه الاحتلال، فإنه سيستغرق أكثر من 20 عاما. جدير بالذكر أنه بعد انتهاء العدوان الأخير على غزة، تم الاتفاق بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بتنسيق أممي على خطة سير لإدخال مواد البناء لقطاع غزة، تنص على أنه لغياب البدائل، فإن مواد البناء ستدخل قطاع غزة بمراقبة أماكن توزيعها بكاميرات إما لدى مكاتب الوكالة أو الاحتلال الإسرائيلي، وقوبل الأمر برفض شديد من الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، لما يرونه اختراقا واعترافا صريحا بحصار غزة.