بعد التطورات الأخيرة التي طرأت على القضية الفلسطينية، وحالة التخلي الواضحة من الأطراف الأجنبية والعربية الراعية لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بقي الفلسطينيون وحدهم يواجهون مخططات عالمية لطمس ما تبقى قضيتهم. المراقب لما يحدث مؤخرا، يعرف جيدا أن الطريقة الوحيدة، والتي تمثل الفرصة الأخيرة في نفس الوقت، لانتزاع الحقوق الفلسطينية، تتمثل فيما تدعو له الأطراف الفلسطينية المتخاصمة، على اختلاف أشكالها، فالسلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس، تطالب، وفي خطوة خارجة عن سياستها، بانتفاضة شعبية، رغم تحفظ السلطة على ضرورة سلميتها، أما في غزة البعيدة عن أيدي السلطة الفلسطينية، فكافة الفصائل الفلسطينية تدعو باستمرار لتصعيد الانتفاضة الشعبية، وليس بالضرورة سلميتها، المهم أن تكون رادعة بما يكفي لإيقاف الإرهاب والسرقة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني وممتلكاته. لكن ما يخرج من أفواه المسؤولين مجرد صراخ أمام الشاشات، فهذه المرحلة الحرجة، التي اعترف أحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، أحمد مجدلاني، بأنها مرحلة خطرة للغاية، إذ سلّمت الولاياتالمتحدة مخططا تصفويا للقضية الفلسطينية على حد تعبيره، لحليفتها السعودية، التي قامت بدورها بتمرير هذا المخطط للقيادة الفلسطينية. بعدما عرفوا فحوى المخطط، توقع الشعب الفلسطيني الذي أصبح على دراية بما يحدث، أن تُنحي الفصائل كلها جميع الخلافات الشخصية جانبا، وتتبنى موقفا صريحا وواضحا بعيدا عن هذه الخلافات السطحية فيما بينها، للدفاع عن القضية الفلسطينية، الأمر الذي نشأت جميعهم لأجله، لكن المفاجئ أنه حتى هذه اللحظة، الفرقة سيدة الموقف. خطاب الرئيس محمود عباس في انعقاد المجلس المركزي، أكد بلا شك، أن الوحدة الفلسطينية بعيدة المنال، فالخطاب المطول لم يخلُ من قذف قيادات حركة حماس، والتطاول عليها أحيانا، هذا الخطاب المعادي لحركة حماس في قطاع غزة، يكاد يكون حاضرا في كافة الخطابات الفتحاوية، والعكس صحيح، لكن الملفت هذه المرة، أن من يدعون للوحدة هم من يحطمون الطرق الواصلة إليها بأنفسهم، ليؤكدوا للجميع أن مصالحنا هي الغاية العظمى، وأنهم يقابلون المخططات التصفوية للقضية الفلسطينية بمؤتمرات وشكاوى لمن لم ولن ينصفهم، فهل بالفعل فقد الفلسطينيون الثقة بأنهم قادرون على مواجهة الأمر، أم أن ما يحدث هو عملية متكررة لكل المشاريع التي نفذها الاحتلال سابقا، مستغلا نقطة الخلاف الفلسطيني؟ وما يلفت في الشارع الفلسطيني، أن الفرقة تتسرب من الطبقة الحاكمة إلى الطبقة المحكومة، فبعد انعقاد المجلس المركزي، توالت التضاربات والاتهامات الإعلامية، غالبية الفصائل في قطاع غزة أخذت موقفا غير مؤيدٍ لمخرجات المجلس المركزي، وفتحت الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وحماس النار على عباس، حيث حتى الآن، لم يقم برفع الإجراءات التي يراها الشعب الفلسطيني في غزة عقابية ضده، ولم يقدم حلولا، وهو رأس الهرم الفلسطيني، بشأن الوحدة، أو حتى بعض التنازلات ليتمكن من وضع يده في يد الفصائل في القطاع لمواجهة ما يجري ضد الفلسطينيين، إلا أن لكل طرفٍ حاشيته. الأعداد الكبيرة من المثقفين وأصحاب التأثير مجّدوا خطاب الرئيس كعادتهم، رغم أن عددا كبيرا منهم يقبع داخل القطاع، وتجري عليه الإجراءات العقابية كغيره، لكنهم يطبلون للسلطة حتى تتغير، فيغيرون وجهتهم لا رأيهم! هؤلاء المثقفون نقلوا الفرقة للشارع الفلسطيني، فلا هم يصمتون عندما يرون البوصلة الفلسطينية تنحرف باتجاهات لا تفيد شيئا، ولا هم يصوبونها. لقد وصلت القضية الفلسطينية إلى أسوأ محاورها في عهد عباس وحماس، بالطبع كلٌ يزيح المسؤولية تجاه الآخر، لكننا نعرف أن كليهما مسؤول عما يحدث الآن، وما سيحدث قريبا إذا استمرت الفرقة بينهما دون مراعاة للمصلحة الفلسطينية العليا، وليس الحسابات الشخصية، والأولى من القيادات الفلسطينية بمختلف أشكالها، أن تجد مخرجا لما وضعوا أنفسهم فيه من خلال فرقتهم، لا أن يجثوا إلى بعض الدول لمساعدتهم، إذ لم يستيطعوا حتى الآن مساعدة أنفسهم.