بجلبابها البسيط ويدها التي خشنت من العمل الشاق، تتجه صباح كل يوم إلى عملها في محل صغير لا تعدو مساحته 3 أمتار طولًا، ومترين عرضًا، لتبدأ رحلتها اليومية الصعبة في ورشة الحدادة التي ورثتها أبًا عن جد، برفقة عمها، وتستعين بالله لتبدأ في المهنة الأقوى بين الأعمال الحرة وهي "الحدادة" أو كما كان يطلق عليها قديمًا "نفخ الكير". "أمل أبو غنيمة"، فتاة في أواخر العشرينات، يظهر على ملامحها الشقاء وتقدم العمر، إذ تعمل الفتاة صاحبة ال29 عاما من مركز مغاغة شمال المنيا، في مجال الحدادة وتصنيع الأدوات المستخدمة في الزراعة كالفأس والسواطير، وغيرها من الأدوات التي يحتاجها المزارعون بشكل كبير في حياتهم اليومية، ورغم صعوبة العمل نظرا لما يحتاجه من جهد مستمر وحرص شديد خوفا من الإصابات، فإن "أمل" لم تتوقف عن مهنتها التي أتقنتها من والدها. "المهنة ساتراني أنا وأمي وأخواتي الصغار".. هكذا بدأت أمل حديثها ل"البديل"، فقد تعلمت الفتاة عمل الحدادة والضرب ب"جاكوش النار" الذي يُطرق به على الحديد وهو ساخن منذ أن كان عمرها 14 عاما تقريبًا، حينما قررت التوجه بصحبة أبيها إلى الورشة صباح كل يوم لمساعدته في ظروف مرضه، وحين وافته المنية استكملت عملها لتتمكن من الصرف على والدتها وأخواتها. تبدأ أمل عملها في الثامنة صباحًا، وتستمر فيه حتى العاشرة مساءً رفقة عمها عاشور، ذلك الرجل الذي اقترب من عامه الستين، ويمكنها العمل على آلة التقطيع الحديدي، وآلة السن، وكذلك جاكوش النار لطرق السواطير وتشكيلها، هكذا أكدت أمل. "المسؤولين اللي فوق ما بيسألوش على اللى زيينا والدنيا غلا"، هكذا تستكمل أمل حديثها، مؤكدًة أن غلاء كافة السلع ومتطلبات الحياة اليومية يجعلهم يعانون بشكل كبير، خاصة أن المهنة لم يعد خيرها كسابق عهدها، فهي لا تستطيع رفع أسعار منتجات الورشة خوفًا من عزوف المشترين عنها، ما يدفعها وعمها للاكتفاء بهامش ربح بسيط لكل أداة يصنعونها، ورغم أن هذا الربح لا يتناسب مع حجم الجهد والشقاء الذي يبذلونه طوال اليوم فإنهم يشكرون الله على ذلك، بحسب تأكيدها. أمل أكدت أن أمنياتها في الحياة كغيرها من السيدات وباقي المواطنين، وهي توفير حياة كريمة ودوام الستر، وقالت: الصعاب التي نواجهها في الحياة تجعلني أكثر إصرارا على استكمال عملي بالحدادة، خاصة أنها مصدر رزق لأسرتنا منذ أكثر من 60 عامًا حينما تعلم والدي الدق على الحديد.