توافق قوي في بروكسل حول الاتفاق النووي. هذا ما أكده وزير خارجية إيران، جواد ظريف، حيث كشفت المداولات الجارية داخل أروقة المفوضية الأوروبية عن سجال عميق بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران، ويبدو أن القلق الأوروبي يستند على حقيقة أن انسحاب الولاياتالمتحدة يعد بمثابة إعدام لهذا الاتفاق، الذي لا يزال الأوروبيون يعتبرونه صالحًا، خاصة أن إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم، وهو الأمر الذي يقوضه الاتفاق. وهدف اللقاء الذي جمع وزراء خارجية بعض الدول الأوروبية مع ظريف، الخميس الماضي، إلى تسجيل موقف أوروبي داعم لاتفاق إيران مع مجموعة 5+1 الموقّع عام 2015، وهو هدف لا يرضي بأي حال من الأحوال رئيس الولاياتالمتحدة، دونالد ترامب، فهو قبل أيام من هذا الاجتماع كان يسعى إلى دعم الاحتجاجات في إيران وتأجيجها؛ لاستغلالها كورقة في إنهاء الاتفاق النووي من بوابة حقوق الإنسان وقمع الحريات، وهي الفرصة التي فوتها عليه الشعب الإيراني عندما خرج بمسيرات مؤيدة للنظام الإيراني، الأمر الذي لعب دورًا كبيرًا في تقويض هذه المظاهرات، بالإضافة لموقف الحكومة الإيرانية الذي تفهَّم مطالب الشعب المحقة، وتعامل مع المخربين. وكشف اجتماع عقده مجلس الأمن الدولي 6 يناير الجاري، لبحث الاحتجاجات في إيران، عن عزلة واشنطن المتزايدة إزاء الملف الإيراني، وأن هناك حصارًا أوروبيًّا للموقف الأمريكي العدواني ضد إيران، حيث دخلت فرنسا بقوة بجانب روسيا ودول أخرى على خط التصدي لأمريكا، وأكدت روسيا أن هدف واشنطن من التدخل في الشأن الإيراني هو تقويض الاتفاق النووي. ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، اعتادت الولاياتالمتحدةالأمريكية العزف منفردة على مسرح السياسة الدولية، ومع مرور الوقت باتت فكرة القوى العظمى الوحيدة غير صحيحة، فإضافة إلى الصينوروسيا القويتين، ظهرت الكثير من الدول المستاءة من نرجسية الولاياتالمتحدة، خاصة مع الأخطاء المتراكمة للساسة الأمريكان، بداية من جورج بوش الابن وسياساته الحربية، وصولاً إلى ترامب الذي اعتمد سياسة تخرج واشنطن من أهم الاتفاقيات الدولية، ما يفقدها دور الراعي للاتفاقية، وينقلها إلى حيز الخصومة، وأدت تحركات ترامب إلى توسيع دائرة المستائين وتوحيد من لم يتحد ضده، فانسحب من معاهدة المناخ، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن يعلن ومن الصين ضرورة إطلاق معركة المناخ والعمل على طريق حرير بين أوروبا وآسيا، وهو ما يصلح أيضًا كرد على انسحاب واشنطن وتجميدها مجموعة من الاتفاقات الاقتصادية مع عدد من دول أوروبا وكندا والمكسيك. تصريحات ماكرون لم تقتصر على الموقف من المناخ، بل انتقلت حتى لتصريحات مؤيدة لطهران، حيث قال مطلع الشهر الجاري، إنه يجب مواصلة "الحوار الدائم" مع طهران، معتبرًا أن أولئك الذين يرفضون الاتفاق النووي يعتمدون خطابًا سيقود إلى الحرب في إيران، وأكد ماكرون أنه لا يزال ينوي زيارة إيران على الرغم من إلغاء الزيارة التحضيرية التي كان من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لطهران الجمعة قبل الماضية. الناتو أيضًا كان محور خلاف أمريكي أوروبي، فترامب حاول منذ توليه التعامل مع أوروبا كدول تابعة لأمريكا، فأعلن تقليص التمويل للحلف الأطلسي، حتى إنه لوح بانسحاب واشنطن منه إذا لم تزد الدول المشاركة فيه من نفقاتها لميزانية الحلف، حينها رد وزراء الدفاع الأوروبيون بإعلان العمل على تأسيس نظام دفاعي مشترك قد يكون خارج إطار الناتو. ألمانيا كانت صريحة في طرح موقفها الممتعض من واشنطن، ففي مايو الماضي قالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إن زمن الثقة بين الدول الغربية قد ولى، في إشارة إلى الانقسام في المواقف بين أوروبا والولاياتالمتحدة، إضافة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروربي، وأضافت ميركل، خلال تجمع انتخابي في ميونيخ، إن "الزمن الذي كانت الثقة فيه سائدة، وكان في إمكاننا الاعتماد كليًّا على بعضنا بعضًا قد ولى، هذا ما اختبرته في الأيام الأخيرة"، وكانت ميركل تشير بذلك إلى العلاقة مع الولاياتالمتحدة التي اهتزت خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأوروبا، وأضافت: "علينا نحن الأوروبيين أن نتولى مصيرنا بأنفسنا". الاستفزاز الأمريكي لأوروبا كان واضحًا أيضًا في تصويت مجلس الأمن على قرار ترامب بأن القدس عاصمة إسرائيل، وهنا نجد أن تكتلًا أوروبيًّا تشكل لمحاصرة قرار ترامب، حيث استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض (الفيتو) لإحباط مشروع قرار مصري في مجلس الأمن الدولي يرفض إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مقابل موافقة جميع الدول ال14 الأخرى الأعضاء في المجلس، بما في في ذلك فرنساوبريطانيا، كما أن المعارضة الأوروبية للقرار الأمريكي حول القدس تكررت أيضًا في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة.