في الوقت الذي لا تزال تداعيات الضربة الباليستية اليمنية التي استهدفت مطار الملك خالد بالعاصمة السعودية الرياض، تتصدر الاهتمام الإقليمي والدولي، جاءت الضربة الباليستية اليمنية الثانية لتسهدف هذه المرة قصر الأسرة السعودية المالكة المسمى "قصر اليمامة"، فيما يمكن اعتباره ردا أرسلته القوة الصاروخية اليمنية على اتهامات البيت الأبيض الأخيرة لإيران بالوقوف وراء الضربات الصاروخية، وهي الاتهامات التي اعتبرها سياسيون يمنيون هروبا من الاعتراف بفشل منظومة الباتريوت الأمريكية في اعتراض الصواريخ اليمنية. وبالرغم من مرور ألف يوم على ما يسمى "عاصفة الحزم" السعودية التي شنت حربا وحصارا على اليمن تحت لافتة إعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب، بدا أن قوات الجيش واللجان الشعبية التابعة لسلطات صنعاء أقوى من أي وقت مضى وتمتلك خيارات أكبر من السابق، الأمر الذي من شأنه أن يدفع أصحاب القرار وقادة الغرف المغلقة إلى مراجعة أداء تحالف العدوان على اليمن وتقييم جدوائية استمرار الخيارات العسكرية التي لم تحقق أيا من أهدافها طوال الألف يوم الماضية. استهداف قادة سعوديين مساء أمس الثلاثاء، أعلنت القوة الصاروخية اليمنية عن ضربة باليستية جديدة على قصر اليمامة بالعاصمة السعودية الرياض بصاروخ "بركان H-2″ استهدفت اجتماعا موسعا لقادة ومسؤولي النظام السعودي، ولفتت إلى أن الضربة تأتي تتويجا لما وصفتها ب"ملحمة ألف يوم من صمود الشعب اليمني وافتتاحا لمرحلة جديدة من المواجهة.". وفي بيانها الذي نشرته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" شددت القوة الصاروخية على "أن ما بعد صمود ألف يوم مرحلةٌ مغايرة لما قبلها"، وأضاف البيان: "إن إمعان قوى العدوان في ارتكاب الجرائم بحق الشعب اليمني وتشديد الحصار لن يثني إرادتنا عن القيام بمسؤوليتنا ومواصلة التصدي للعدوان بكل قوة". القوة الصاروخية أرسلت تنويها مفاده أن قصور النظام السعودي وكافة المنشآت العسكرية والنفطية في مرمى الصواريخ اليمنية، مؤكدا: "المظلة الأمريكية والحماية الدولية للنظام السعودي المجرم لن تمنع شعبنا اليمني من خوض غمار المواجهة إلى حيث شاء الله أن تكون.. دماء شعبنا العزيز ليست هدرا، ولن تذهب سدى." من جهته، تحدث الإعلام السعودي كعادته عن إسقاط منظومة الباتريوت للصاروخ فوق الرياض، جاء ذلك على لسان وكالة الأنباء السعودية "واس" التي أضافت أن الصاروخ كان ذاهبا باتجاه مناطق سكنية بمنطقة الرياض ولم يسفر عن خسائر، وذكر المتحدث الرسمي لقوات "تحالف دعم الشرعية في اليمن" العقيد الركن تركي المالكي، أن الصاروخ كان باتجاه مناطق سكنية مأهولة بالسكان بمنطقة الرياض، وتم اعتراضه وتدميره جنوب العاصمة دون وقوع أي خسائر وكان مغردون سعوديون يتحدثون عن انفجارات عنيفة هزت الرياض، وينشرون مقاطع فيديو لانطلاق أكثر من 6 صواريخ باتريوت متتابعة، وهي مؤشرات كافية اعتبرها مراقبون أدلة واضحة على أن الباتريوت لم يعترض الصاروخ. وفيما لم يتم الإعلان عما خلفه البركان الباليستي اليمني، نشرت وكالات بينها رويترز، أن الصاروخ أصاب قصر اليمامة، وأكدت "رويترز" على سماع دوي انفجار هز الرياض، ونقلت عن شهود عيان رؤية عمود دخان يتصاعد في سماء العاصمة السعودية، وبحسب رويترز فإن عضوا في الأسرة الحاكمة بدا وكأنه يؤكد أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون استهدف اجتماعا للبلاط الملكي في قصر اليمامة بالرياض. من جهتها أكدت مراسلة وكالة بلومبيرغ، اهتزاز البرج الذي تقيم فيه عقب وصول الصاروخ اليمني إلى الرياض. معادلة جديدة بعد ساعات من إطلاق القوات اليمنية صاروخا باليستيا من طراز بركان 2H على قصر اليمامة الملكي في العاصمة السعودية الرياض أثناء اجتماع للأسرة الحاكمة السعودية، ألقى زعيم أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي، كلمة متلفزة بمناسبة مرور ألف يوم من العدوان على اليمن. الكلمة التي استمرت زهاء ساعة ونصف تضمنت الإشارة الواضحة إلى الصاروخ الباليستي الذي أصاب قصر اليمامة، واعتبر الحوثي، ذلك ردا طبيعيا على استمرار العدوان وتماديه في استهداف المدنيين وقصف المدن والمنشآت، مذكرا بقصف طائرات العدوان السعودي القصر الجمهوري بالعاصمة صنعاء. وفي تذكير بقصف طائرات العدوان السعودي القصر الجمهوري بالعاصمة صنعاء مطلع ديسمبر الجاري، قال الحوثي: "أنتم تقصفون صنعاء ونحن نقصف الرياض وأبو ظبي،أنتم تعتدون على القصر الجمهوري في صنعاء وتصل صواريخنا البالستية إلى قصر اليمامة بالرياض، أنتم تعتدون على منشآتنا الحيوية ونحن نقابلكم بالمثل"، وأضاف ساخرا من النظام السعودي: "أنتم حمقى وجهلة وأغبياء ولم تتعقلوا وتراجعوا حساباتكم رغم أنكم وجدتم أن المسألة صعبة، لكن كلما زاد طغيانكم سيقابله المزيد من ثباتنا وعزمنا وتصميمنا وابتكاراتنا لكل الوسائل الدفاعية". وفيما يشبه التلويح بخيارات عسكرية أكبر خلال المرحلة المقبلة، أعلن زعيم أنصار الله عن معادلة جديدة في المعركة، وقال: "اليوم هناك معادلة سنفرضها من جديد وبكل جهد ومسؤولية"، مؤكدا: "مدى الصواريخ متوسع ومستمر، واليد الطولى ستنال من أماكن أخرى" ملوحا بضرب العاصمة الإماراتية أبوظبي، ودعا الحوثي اليمنيين إلى تعزيز عوامل مواجهة العدوان وتماسك الجبهة الداخلية، محذرا من أي موقف يذهب باتجاه خدمة العدوان أو مساومة في الوطن لأجل الخارج. إدانات عربية.. وموقف إماراتي وفيما تعد أولى تداعيات الضربة الباليستية التي أصابت قصر الأسرة الحاكمة في الرياض، أعلنت شركة الاتحاد الإماراتية للطيران عن تعليق رحلاتها الجوية على خط أبوظبي- طهران ابتداءا من 24 يناير 2018، وقال بيان أصدرته الشركة بعد ساعات من استهداف القصر السعودي، واتهام المملكة لإيران بالوقوف وراء العملية، إن الشركة ستعمل على تقليل عدد رحلاتها بين 25 ديسمبر 2017 و23 يناير 2018، من 5 رحلات أسبوعية إلى رحلتين في الأسبوع. وفي الاتجاه نفسه، علق وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، على الضربة الباليستية اليمنية التي استهدفت قصر اليمامة أمس الثلاثاء، وقال في تغريدة على صفحته الرسمية في "تويتر"، إن الصاروخ يوضح ضرورة قرار "عاصفة الحزم"، في إشارة مكررة إلى أن الصاروخ يبرر الحملة العسكرية التي يشنها "التحالف" بقيادة السعودية على اليمن، موجها الاتهام إلى إيران بتزويد "أنصار الله" بالصواريخ الباليستية، وأضاف: "مع كل صاروخ إيراني تطلقه المليشيا الحوثية ضد الأهداف المدنية يصبح جليا ضرورة قرار عاصفة الحزم". وهو مبرر أطلقه على غرار الضربة الباليستية السابقة التي استهدفت مطار الملك خالد بالرياض مطلع نوفمبر الماضي. على وقع ذلك، أصدرت وزارة الخارجية المصرية، أول تعليق رسمي لها على إطلاق صاروخ باليستي يمني على العاصمة السعودية "الرياض"، وطالبت في بيانها الذي تلقته وسائل الإعلام، أمس الثلاثاء، بمحاسبة كل من يثبت تورطه في الاعتداءات على السعودية، وقال البيان: "ندين بأشد العبارات محاولة استهداف الرياض من قبل جماعة أنصار الله في اليمن، بعد سقوط صاروخ على مسافة 25 كيلومتر، جنوب العاصمة الرياض". البيان المصري الذي تجاهل الغارات السعودية على المدنيين، دعا إلى "الوقف الفوري لأي استهداف للأراضي السعودية ومواجهة أي محاولة لاستهداف أمنها واستقرارها، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في هذه الاعتداءات، واحترام مبادئ القانون الدولي ومثياق الأممالمتحدة". بدوره، ندد الأردن باستهداف السعودية بصاروخ باليستي، داعيا الأطراف اليمنية كافة إلى نبذ الاقتتال والعودة إلى طاولة المفاوضات، وبحسب وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا"، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، "وقوف الأردن إلى جانب السعودية في تصديها للاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها من ميليشيات الحوثي"، كما عبر البيان عن إدانة الأردن "لكل عمل عسكري يستهدف المناطق المدنية ويروع المدنيين الآمنين"، في تعميم قد يدخل فيه القصف السعودي للمدنيين في اليمن. وأضاف المومني: "الأردن إذ يجدد موقفه الداعم للجهود السعودية للتوصل إلى حل سلمي للأزمة اليمنية، فإنه يدعو كافة الأطراف في اليمن إلى نبذ العنف والاقتتال والعودة لطاولة المفاوضات وصولا لحل الصراع بالطرق السلمية ويجنب اليمن ويلات الاقتتال". "بركان H-2" على صعيد متصل، بثت قناة "المسيرة" التابعة لأنصار الله، معلومات عن الصاروخ الباليستي الذي أطلقته اليوم على قصر اليمامة، وذكرت أنه من طراز "بركان تو إتش باليستي"، وتم الكشف عنه لأول مرة للمجتمع الدولي عندما تم إطلاقه على السعودية في 22 يوليو 2017، وهو عضو في عائلة سكود (كيام 1، سكود-C، والإيراني شهاب-2، وسكود-C، وسكود- 12). وبحسب وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" فإن بركان 2 تم تطويره في مركز الأبحاث والتطوير التابع للقوة الصاروخية اليمنية وبخبرات وطنية بحته، ويعد واحدا من أبرز الصواريخ الباليستية متوسطة المدى وتقدر المسافة التي يمكنه الوصول إليها ما بين 9001400 كم، كما يعد بمثابة إنجاز "معادلة ردعية" تمثلت عمليا بوضع العاصمة السعودية الرياض تحت مرمى الصواريخ. وفي 4 نوفمبر 2017، ادعت المملكة العربية السعودية أنها اعترضت صاروخ بركان H-2 فوق عاصمتها الرياض، وذكرت أن الصاروخ كان يستهدف مطار الملك خالد الدولي. وفي ديسمبر 2017 نشرت صحيفة نيويورك تايمز، تقريرا يلقي بظلال من الشك على التصريحات السعودية الرسمية، ونقلت الصحيفة الأمريكية عن فريق من الخبراء قولهم إنه لم يتم اعتراض الرؤوس الحربية للصواريخ، وإنها انفجرت بالفعل بالقرب من المطار السعودي، واستعرض فريق بحثي أدلة بالصور والفيديو، دفعتهم إلى الاستنتاج بأن نظام الدفاع الصاروخي السعودي قد فشل؛ وأن المعترض "ميم-104" فشل تماما في اعتراض "بركان H-2".