زيارة استثنائية هي الأولى من نوعها منذ عام 2015، يقوم بها وزير الخارجية البريطاني، بلطهران اليوم؛ لتحمل في طياتها الكثير من الرسائل السياسية، خاصة أنها تزامنت مع توصل بريطانيا إلى اتفاق تاريخي مع الاتحاد الأوروبي بشأن شروط البريكست، أمس الجمعة، ووجود بعض التغيرات التي طرأت على لهجة لندن في التعامل مع بعض أزمات المنطقة. "جونسون" في إيران وصل وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، إلى طهران اليوم السبت، في زيارة هي الأولى لوزير خارجية بريطاني إلى إيران منذ العام 2015، والثالثة فقط منذ 2003، وتأتي هذه الزيارة في إطار جولة قام خلالها "جونسون" بزيارة سلطنة عمان، ثم يزور غدًا دولة الإمارات. عشية زيارته لطهران قال "جونسون" إنه يعتزم إثارة موضوع إطلاق سراح المعتقلين مزدوجي الجنسية، إضافة إلى بحث الاتفاق النووي وإيجاد حل للحرب الدائرة في اليمن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، وتابع أنه سيطرح على القيادة الإيرانية هموم ومخاوف بلاده في المنطقة، لكنه أقر بأن العلاقات الثنائية تحسنت بشكل ملموس منذ عام 2011، وأنه يمكن تحقيق مزيد من التقدم حتى في ظل الظروف الصعبة، مضيفًا: أتطلع إلى زيارة بناءة. الزيارة وصفها السفير الإيراني لدى لندن، حميد بعيدي نجاد، ب"الاستثنائية"، مشيرًا إلى وجود توجهات إيجابية في سياسة لندن الخارجية، وأضاف أنها تتيح بحث العلاقات بين البلدين بجميع أبعادها، وأكد نجاد أن الاتفاق النووي سيكون أحد المحاور الرئيسية لمباحثات جونسون في طهران، واعتبر أن موقف الحكومة البريطانية إيجابي في مسألة صون هذا الاتفاق، وأشار الدبلوماسي الإيراني إلى بقاء خلافات مع بريطانيا حول قضايا المنطقة، لكنه أعرب عن أمله في إمكانية الوصول إلى تفاهم أفضل في بعض المجالات لمصلحة السلام والاستقرار بالمنطقة في ضوء التوجهات الإيجابية التي شهدوها من الحكومة البريطانية خلال العام الأخير. ووفقًا لرؤية الدبلوماسي الإيراني فمن هذه الإيجابيات الدعوة لتقديم المساعدات الإنسانية لليمن، وتأكيد ضرورة فك الحصار عنه، بيد أن ما تتوقعه طهران من لندن أكثر من ذلك، وهو وقف تصدير الأسلحة للسعودية واستخدام بريطانيا جميع أدواتها؛ للضغط على السعودية لوقف هجماتها على الشعب اليمني، ناهيك عن التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية البريطانية في الشأن السوري، حيث قال السفير إنه "خلال الأشهر الأخيرة شاهدنا تغيرًا في سياسة بريطانيا حيال مطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وقبلت لندن بحقيقة أن تنحي الأسد لن يساعد في تحسين الأوضاع، بل سيفضي إلى تصعيد الإرهاب والعنف". وبحسب السفير فإن المواقف البريطانية من أزمات أخرى في المنطقة كانت متوازنة، ومنها موقفها من الأزمة القطرية، وأزمة إجبار السعودية رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، على الاستقالة من الرياض، وكذلك معارضة لندن للاعتراف الأمريكي الأخير بالقدس عاصمة لإسرائيل. في ذات الإطار اعتبر "بعيدي نجاد" أنه "من الطبيعي أن يطرح وزير الخارجية البريطاني النقاش حول قضيتي كمال فروغي ونازنين زاغري العاملين في مؤسسة تومسون رويترز الخيرية، واللذين يحملان الجنسية الإيرانية البريطانية، ويقضيان عقوبة السجن في طهران للمساس بالأمن القومي الإيراني"، خاصة أن "زاغري" المسجونة في طهران منذ عام 2016، والمدانة بالتآمر للإطاحة بالمؤسسة الدينية، وحكم عليها بالسجن 5 سنوات، من المفترض أن تمثل أمام المحكمة في إيران غدًا الأحد، حسبما قال زوجها "ريتشارد". ورفض الدبلوماسي الإيراني محاولات وسائل إعلام بريطانية الربط بين هذه القضية وملف الديون المستحقة على بريطانيالإيران، بشأن صفقة الأسلحة المبرمة في سبعينيات القرن الماضي، مضيفًا أن هذا الملف يمر حاليًّا بمراحله النهائية، مؤكدًا أن "العلاقات الإيرانية البريطانية أوسع بكثير من قضية سجناء مزدوجي الجنسية"، وأوضح السفير الإيراني أن الجانبين سيبحثان كذلك مجالات التعاون الاقتصادي الذي شهد خلال الفترة الأخيرة تحركًا جيدًا. بحثًا عن زعامة بعد "البريكست" ربط بعض المراقبين بين جولة وزير الخارجية البريطاني في سلطنة عمانوإيرانوالإمارات، والاتفاق الذي توصلت إليه بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي بشأن شروط بريكست، حيث توصل الطرفان أمس الجمعة إلى اتفاق تاريخي يسمح لهما بإطلاق محادثات صعبة بشأن العلاقة المستقبلية عقب الانفصال، وأعلن كلا الطرفين تحقيق قدر من التقدم في محادثات انسحاب بريطانيا من التكتل، يكفي لبدء مرحلة ثانية من المفاوضات، وذلك بعد أن عمل المفاوضون خلال أيام للتوصل إلى اتفاق، بعدما حدد الاتحاد الأوروبي غدًا الأحد كتاريخ نهائي لتمكين رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي من التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود الأيرلندية. بهذا الاتفاق تكون بريطانيا قد قطعت شوطًا لا بأس به في طريقها نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفعها إلى محاولة توثيق علاقاتها الدولية ببعض القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إيران، خاصة بعد أن تم توقيع الاتفاق النووي في يوليو عام 2015، وإثبات حجم وقوة دورها ونفوذها في المنطقة، سواء في الأزمة السورية أو اللبنانية أو الخليجية أو اليمنية أو العراقية، وعلى العكس تمامًا اندحار النفوذ الأمريكي والسياسة التهورية والعنجهية التي باتت تميز الإدارة الأمريكية، وعلى ذات المنوال تسير السعودية، التي باتت توصف ب"رأس الأفعى" في المنطقة، والتي تثير الأزمات الإقليمية، وتتبنى سياسة عدائية تجاه جيرانها بأوامر صهيونية، الأمر الذي دفع العديد من الدول الأوروبية والعربية إلى عدم الاعتماد أو التعويل عليها، ناهيك عن غرقها في العديد من الأزمات الداخلية والخارجية، وهو ما دفع البعض إلى التنبؤ بقرب انهيارها. تغيرات سياسية بات ملموسًا التغير السياسي الذي طرأ على العديد من القيادات الأوروبية، وأبرزها البريطانية والألمانية، في التعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية، وقد برز ذلك مؤخرًا في معارضة الدولتين وانتقادهما للكثير من الخطوات الأمريكية الأخيرة، فقرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، شكّل تربة خصبة لانتقادات مسؤولي لندن، وهو ما ظهر في إعلان مندوب بريطانيا الدائم لدى الأممالمتحدة، ماثيو رايكروفت، أمس الجمعة، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، عدم اعترافه بالقرار الأمريكي، وأن لندن تعتبر القدسالشرقية جزءًا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقال رايكروفت": نحن نعتبر القدسالشرقية جزءًا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونحن بالتالي نعارض القرار الأمريكي نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من جانب واحد قبل الاتفاق على الوضع النهائي، وتابع قائلًا: هذه القرارات لا تساعد آفاق السلام في المنطقة، الذي أعرف أن جميعنا بهذه القاعة متمسكون به، موضحًا أن بريطانيا تأسف للقرار الأمريكي، ولن تنقل سفارتها إلى القدس. من جانبه دعا عمدة لندن، صادق خان، الرئيس الأمريكي إلى العدول عن زيارته للمملكة المتحدة، عقب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقال "خان": رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا يفهم مقدار الإهانة التي وجهها للعالم العربي، وأضاف: "سمعت أنه ينوي زيارة لندن في فبراير المقبل، ولكن ليس بصفته الرسمية، لذلك دعونا نرَ ما الذي سيحصل حينها"، فيما قال متحدث باسم رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماى، إن الأخيرة لا تتفق مع قرار الولاياتالمتحدة؛ لأنه لن يساعد على الأرجح في الجهود الرامية لتحقيق السلام بالمنطقة، وأضاف المتحدث: نختلف مع قرار الولاياتالمتحدة نقل سفارتها إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيلية قبل اتفاق بخصوص الوضع النهائي، نعتقد أن هذا لا يساعد فرص إرساء السلام في المنطقة. الأزمتان القطرية واللبنانية أظهرتا اضطراب السياسة الخارجية البريطانية وازدواجيتها في الكثير من الأحيان، حيث حاولت لندن الوقوف على الحياد لعدم خسارة أي من الطرفين المتنازعين، لكنها في بعض الأوقات كانت تميل بكفتها ناحية انتقاد المحور الأمريكي السعودي، وهو ما ظهر في الأزمة الخليجية خلال زيارة وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للندن في نوفمبر الماضي، وإلقائه كلمة في مؤتمر لمكافحة الإرهاب، انطلقت أعماله في لندن، ليعلن وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، خلال المؤتمر أيضًا أن لندن غير معنيّة بالتعامل مع الاتهامات المُوجهة للدوحة على خلفية الأزمة الخليجية، مؤكدًا أن قطر شريك قوي في مكافحة الإرهاب، وقد سبق هذه التصريحات تأكيد وزير الخارجية البريطاني على أن "حصار أربع دول عربية لقطر غير مرحب به"، داعيًا السعودية وحلفاءها إلى إنهائه. وفي إطار التغيرات السياسية التي طرأت على لهجة لندن، تأتي الأزمة السورية، حيث تخلت بريطانيا موخرًا عن مطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما ذكرته صحيفة "ذا لندن تايمز" البريطانية، في أغسطس الماضي، بأن جونسون أكد للمعارضة السورية أنهم ليس لديهم خيارات كثيرة، وربما عليهم القبول ببقاء بشار الأسد في دمشق، مضيفة أنه لم يعد هناك أي تمسك بتنحي الأسد كشرط لإجراء مفاوضات أو محادثات حول مستقبل سوريا، وقال جونسون في تصريحات سابقة: كنا نقول إنه يجب أن يذهب كشرط مسبق، الآن نقول إنه يجب أن يذهب، لكن كجزء من عملية انتقال سياسي، وبإمكانه دائمًا المشاركة في انتخابات رئاسية ديمقراطية.