سيارة الترحيلات، مزودة بصندوق من الصلب. وهي شاحنة من طرازIVECO فائقة السرعة، صناعة الهند. تقريبا يتم تغيير صندوقها في مصر، أو يستوردونها بدون صندوق، لان كل سيارات الترحيلات، على اختلاف أنواعها، مزودة بنفس النوع من الصناديق.. والواضح انه صناعة مصرية، لأنه مصنوع بنفس الطريقة التي تصنع بها الأبراج التي أراها على الحدود. قوي نعم ولكنه تخين ورديء المنظر. والكمية الهائلة من الحديد التي تستخدم في تصنيعه، تعطيني إيحاء بتخانة وثقل ورداءة الثقافة التي تقف وراء رأس من صممه. إذ لو كانت الثقافة مرنة وخفيفة ومتحركة، ومتطورة قليلا، لكان من السهل تصنيع، وربما بتكاليف أقل، صندوق مثله، أكثر قوة وشياكة، باستخدام كميات اقل ولكن أفخم من الحديد. طاقم الحراسة، برئاسة ضابط، ومعه شوية جاويشية وأمناء شرطة، بعضهم ميري والباقي مباحث. اثنين أو أكثر مزودين ببنادق كلاشينكوف، والباقي معهم مسدسات. كلهم عدا ضابطهم، تخفي ملابسهم الرثة، وجوه تخزن علامات الفقر والذل والمهانة.. وراء سيارة الترحيلات، سيارة شرطة من نوع تويوتا دوبل كابينة، وأمامها سيارة مماثلة، لكن الثانية غير الأولى، إذ أنها تتغير، دون أن تتوقف سيارة الترحيلات، عند كل قسم شرطة. قفلوا طرف الكلابش التخين على معصمي، والطرف الثاني على معصم الجاويش، وهو كلابش غير كلابشات البلاستيك الفاخرة التي يضعونها في أيدينا في مقرات امن الدولة. عاونني الجاويشية في حمل أغراضي حتى حطوني في الصندوق، ومعي الجاويش ومخبر غير مسلح، وقفلوا علينا الباب. وراء القفل، اثنين من الجاويشية مزودين ببنادق آلية. حين تحركت السيارة فك الجاويش القيد من معصمه، وترك الكلابش يتدلى من معصمي. مثلما يفعل غالبية المساجين، حليت الحبل الذي ألف به نمرتي، وهي بطاطين وملاءات ومخدات. سحبت منها بطانية فرشتها على الأرضية. زملائي في الزنزانة كانوا كرماء معي، زودوني بأرغفة خبز وعلب جبنه ومربى وعصير والاهم قاروصة سجاير مارلبورو حمرا.. وضعت ورقة جورنال على البطانية، ووضعت فوقها العيش والجبنة والمربى، والاهم وريتهم سجاير المارلبورو. ثم ناديت عليهم بان يشاركوني في اللقمة. كنت جائعا، لكن ليس عندي نفس للأكل.. (حل الكلابش من أيده خلي الراجل يعرف ياكل) طلب المخبر من الجاويش.. أكلوا وأنا عملت حالي باكل معاهم. لما فرغوا، عزمت عليهم بسجاير وأعطيت كل واحد منهم علبة عصير. (قضيتك إيه؟) سأل المخبر..(سلاح) رديت.. لعلك تستغرب ردي.. سأشرح لك.. لا أريد منهم غير الموبايل، لاتصل بأهلي وأخبرهم بجديدي. البدو، أو العرب كما تقول الحكومة، مشهورين بتجارة السلاح، وهي جريمة غير مخيفه بالنسبة للحراس مثل السياسة، تاجر السلاح سيستخدم التليفون في الاتصال بأهله، بينما السياسي قد يستخدمه في الاتصال بمؤسسات، تراقب الحكومة تليفوناتها، وربما تلتقط المكالمة، مما سيتسبب في أذى للجاويشية ولطاقم الحراسة كله. ثم تاجر السلاح ثري ومستعد أن يدفع، وهم يريدون أن يسترزقوا. لعلك ستسال ولكن تاجر المخدرات ثري أيضا. نعم هو ثري ولكن الفارق هائل في مساحة الاحترام بين الأول والثاني. أعطوني الموبايل، مشترطين أن اراضيهم، وإلا اتصل بمحامي أو حاجة كدا. قلت: لا.. لا.. أنا بس هاتصل بأهلي.. وأضفت، أنا هاقول ليهم يحولوا رصيد ع النمرة دي.. اتصلت بزوجتي، وكلمت سالي سامي من منظمة العفو الدولية، وبعض الأصدقاء من الصحفيين والكتاب المهتمين بقضيتي.. والاهم، عرفت من زوجتي إن قناة الجزيرة معها في بيتنا، كانوا يصورون فيلما تسجيليا عني، وهو ما خفف من تعبي وضيقي..(يتبع) مواضيع ذات صلة 1. مسعد أبو فجر : كمائن متحركة: من الغربانيات إلى أبي زعبل.. 2. مسعد أبو فجر: كمائن متحركة: سي في لسيارتي.. 3. مسعد أبو فجر: كمائن متحركة 4. مسعد أبو فجر: كمائن متحركة.. مانديلا فري 5. مسعد أبو فجر كمائن متحركة: عن ملف قطر الذي بلع ملفات أربع من أكبر الدول في زماننا..