إذا كانت الديمقراطية قد أصبحت في ظل هذا الواقع مجرد حلم مستحيل فلماذا نوهم أنفسنا بان الحلم أصبح قريب؟.. وكيف يتحقق هذا الحلم والحزب الحاكم لا يريد أن يترك أي فرصة لاي طرف آخر.. لقد سجن الحزب الوطني نفسه في سجن يسمي الحكم الشمولي يتسم بالأنانية والعشوائية وضيق الرؤي.. وأعتقد أن كل شيء حوله لا يستحق الاهتمام أو النظر إليه، ولهذا كان ضاريا وهو يحسم بقوة السلطة نتائج الانتخابات ضاربا عرض الحائط بكل القوي السياسية. لم يعد أمامنا الآن غير أن نطالب بتأجيل هذا الحلم السخيف حلم الديمقراطية . إن أصعب شيء علي الشعوب هو خداعها بالكلام فالمصيبة الكبرى التي كانت في 67 و التي كانت اكبر من الهزيمة هي الخداع الذي قام به النظام علي لسان المذيع احمد سعيد . و هذا ما يقوم به النظام المصري الان فهو يخدعنا بالكلام لنسمع كلام من عينة ( الانجازات الكبيرة , الاصلاحات السياسية ) هكذا كان خطاب الرئيس بعد الإنتخابات, و هكذا كانت تصريحات قادة الحزب الوطني بعد المهزلة الكبري المسماه بالإنتخابات من وجود الحرية السياسية و أن هذا البرلمان يوجد به عدد من المعارضة أعلي من السابق و هو نوع من التضليل السياسي الذي يمارس علي أرض النيل , فعدد المعارضة لا يزيد عن خمسة عشر عضو من إجمال عدد 518 عضوا تقريباً يتمتع فيها الحزب الوطني بالأغلبية المطلقة . لقد ظن قادة الحزب الوطنى أنفسهم أنهم قد حققوا النصر المبين بالذى أحرزوه فى انتخابات مجلس الشعب، ويتجاهلون أو يحاولون أن يخدعوا من يتصورون أنه لا يعرف بالأساليب التى اتبعوها فى الوصول إلى هذه النتيجة بالتأسف على ما يقولون إنه ضعف أحزاب المعارضة وانكشاف الإخوان المسلمين أمام المواطنين، مدعين بأن المسألة كانت مفاجأة للحزب الوطنى، وعلي الحزب الوطنى أن يسعى لتلافى الأسباب التى أدت إلى هذا الضعف البالغ لأحزاب المعارضة. إن قيادات الحزب الوطنى، وخصوصا فى أمانة التنظيم، ومعها قيادات أجهزة الدولة صانعة هذا النصر العظيم تحتفي بما صنعت أياديهم، فهؤلاء لا يرون أبعد من اللحظة الراهنة، ولنبكي نحن علي آثارهذه المهزلة على مستقبل الوطن. أن افضل وصف لما فعله المهندس أمين التنظيم , و هو مخرج هذه المسرحية ، أنه لعب بالنار في مستقبل هذا الوطن , فأول إنهيار سوف يشهده هذا الوطن هو الإستهانه بحكم القانون و تمرعبر فقدان إحتمالية بناء أحزاب سياسية قوية و تلاشي إمكانية إقامة حزب للإخوان المسلمين فى إطار عملية سياسية تتمتع بالشرعية، وتنتهى بتبديد أى احتمال للتطور السياسى السلمى فى مصر. قد شهدت مصر عبر تاريخها الحديث مخالفات قانونية كثيرة خاصة في الممارسة السياسية للإنتخابات لكن في الإنتخابات الأخيرة كان هناك إستهانه بحكم القانون , وخطورة هذه المسألة أنه ليس هناك أمل فى أن يكتسب نظام الحكم فى مصر بقية أساس لشرعيته سوى أن يلتزم بحكم القانون. فعلي ضوء احكام القانون التي صدرت يصبح مجلس الشعب باطل و يبني عليه أن تصبح التشريعات الصادرة عنه باطلة , و الحكومة التي سيمنحها المجلس الثقة حكومة غير قانونية بإعتبارالقاعدة الشرعية التي تقول ( إن ما بني علي باطل فهو باطل ) ولقد رأينا فى الانتخابات الأخيرة استهانة سهلة بأحكام قضائية واجبة النفاذ وبأعذار لا يقبلها كاتب محكمة في دولة متخلفة . تقرر محاكم القضاء الإدارى أحقية مواطنين، وكثيرون منهم من أعضاء الحزب الحاكم فى الترشح، ومع ذلك ترفض وزارة الداخلية قبول أوراقهم، فيعودون للمحاكم ذاتها فتصدر أحكاما واجبة النفاذ بحقهم، فتذهب وزارة الداخلية للاستشكال أمام محاكم الأمور المستعجلة التى لا علاقة لها بمنازعات مع أجهزة الإدارة، وتقبل اللجنة العليا للانتخابات هذه الحجة على الرغم من أن من يرأسونها ويتحدثون باسمها هم من القضاة الذين يعرفون بكل تأكيد خطأ هذه الحجة لوقف تنفيذ الأحكام، وعندما يعود هؤلاء الراغبون فى الترشيح إلى محاكم القضاء الإدارى فإنها تأمر بوقف الانتخابات فى الدوائر التى يريدون الترشح فيها، فتجرى وزارة الداخلية الانتخابات فى هذه الدوائر، وعندما تقرر المحكمة الإدارية العليا بطلان هذه الانتخابات، يعترف مجلس الشعب بصحتها ويمنح عضويته لهؤلاء الذين فازوا فى انتخابات أعلن بطلانها. طبعا الخطر الواضح هنا أن هؤلاء الذين صدرت أحكام لصالحهم سوف يعودون إلى مجلس الدولة ليطالبوا بحل مجلس الشعب، ولكن لن ينفذ شيء . إن المؤكد إن المناخ السائد ولاشك أن ضعف الأحزاب السياسية فى مصر، كل الأحزاب السياسية بما فى ذلك الحزب الوطنى الديمقراطى، الذى كشفت كل الانتخابات السابقة برغم تأييد أجهزة الدولة له عن ضأله رصيده و سط الجماهير ، ولكن من هو المسئول عن ضعف الأحزاب السياسية ذات التوجه السياسى اليساري أو الليبرالي و ذات الماضى السياسى البارز؟ أليس هو الحزب الوطنى الحاكم نفسه الذى يحيطها بأشد القيود، ولا يسمح بانتخابات نزيهة؟ ولماذا يعطى المواطن صوته لأحزاب يعلم جيدا أنها لن تصل إلى السلطة، ولن تتمكن من التأثير على صنع السياسات العامة، و لا يسمح لها حتي بأن يكون لها وجود مؤثر حتى على مستوى التواجد في الشارع السياسي . ولقد بني الحزب الوطني سياسته علي أن تظهر بها الأحزاب السياسية على هذه الدرجة من الهزال وتحبط بنفس القدر أى أمل فى نهوض تعددية حزبية حقيقية فى مصر. إن هناك الكثيرون فى هذا الوطن لم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الأخيرة ، ليس لأنهم عازفون عن المشاركة السياسية الفعالة، فهم يشاركون عندما تكون المشاركة جادة وفعالة وتتسم بالشفافية والمصداقية، وهم يتطلعون إلى نقلة ديمقراطية حقيقية يستحقها الشعب المصرى، فهو لا يفتقد الأهلية للتمتع بانتخابات حرة كتلك التى تشهدها بعض الدول في العالم ا، ولكنهم لا يرون أى مصداقية لحديث قيادات الحزب الحاكم عن الإصلاح السياسى.. إن الحلم بإقامة دولة تتمتع بالديمقراطية و الحرية و تدوال السلطة و ما شابه ذلك من ممارسات سياسية تحدث في بلاد العالم المتحضر , قد بات حلم مفزع لأصحابه و لمواطني بلد ينتظرون في كل إنتخابات أن تكون أفضل من سابقاتها و لكن الانتخابات الأخيرة قد أكدت عزم الحزب الحاكم على الاستئثار بقرابة 97% من مقاعد مجلس الشعب فقضت على ما تبقى من أمل لدينا أن يتم هذا الإصلاح تدريجيا وبطريقة سلمية من خلال انتخابات نزيهة نسبيا، قد لا تؤدى بالضرورة إلى سقوط هذا الحزب، ولكن أن يؤدى وجود معارضة قوية إلى اقتناع قياداته بضرورة الإصلاح السياسي والذى قد يستفيد هو منه باستعادة قدر من الشعبية. لقد إنهارت كل فرص للإصلاح السياسى بعد هذه المهازل التي حدثت . فهل يكون الإصلاح القادم من خلال العمل السرى ؟ ، والتنظيمات المسلحة ، واللجوء إلى العنف ، أو الدعوة إلى الثورة، و العصيان المدني أو مناشدة القوات المسلحة التدخل لإنقاذ البلاد. أن مستقبل مصر الغامض يكاد يكون الحلم المفزع المسيطر علي عقل الجماهير المصرية سواء كانوا ساسة أو أحزاب أو مواطنين كانوا يتطلعون إلي غد أفضل , و لكن خذلهم الحزب الوطني , فأي مستقبل لهذا البلد , اتمني أن يتحقق حلم الحرية . مواضيع ذات صلة 1. محمود طرشوبي : سراب الديمقراطية المصرية 2. محمود طرشوبي : تكذيب ما لا يكذب ! 3. محمود طرشوبي: نسوان و أحزاب و كوتة 4. محمود طرشوبي : خريف الحزب الوطني 5. محمود طرشوبي : رسالة إلي الوزير المنتخب