لا يزال مشهد الخوف حاضراً في الأوساط الفلسطينية كافة، كلما تتردد كلمة المصالحة، هذا الخوف الذي وُلِد وترعرع في قلوب الفلسطينيين طوال سنوات الخذلان والفرقة، واشتد عوده أكثر وأكثر، مع كل محاولة سابقة فاشلة لطيّ صفحة الانقسام الفلسطيني، هذا الانقسام الذي عاد بالقضية الفلسطينية للوراء كثيراً، وخلق حالة من التعقيد في العديد من الأمور الداخلية والوطنية. ملفات عديدة يُمكن وصفها بالحساسة والساخنة، في جدول أعمال المصالحة، ربما يكون أبرزها هو ملف السلاح، والأمن، حيث الصراع لا يزال قائماً حول من سيكون صاحب الكلمة في هذه البلد، والبلد هنا هي قطاع غزة، حيث أن الضفة الغربية موزّعة بين سلطة واحتلال، والصراع الحالي يدور فقط في غزة، فكيف ستكون صورة الوضع في ظل ترسانات الأسلحة التي تمتلكها فصائل المقاومة في غزة، وفي نفس الوقت هناك سلطة تقول في كل مقام ومقال عبارة "سلاح واحد، شرعية واحدة، قانون واحد"، وهم يقصدون المثل الشعبي "ديكين في خش ما بيعيشوا"، بمعنى أن السلطة وفصائل المقاومة هنا في حالة صدام حقيقيّ، وإن تنكر البعض لذلك. حركة فتح قالت بأن سلاح المقاومة لم يُطرح أصلاً على طاولة الحوار، وكذا الأمر قالت حماس، ولكن في ظل كل ذلك، ولنعتبر أن سلاح المقاومة سيظل موجوداً، وستأتي السلطة وتستلم الأمن في القطاع، فكيف يُمكن أن تكون صورة الأمر؟ يعني لو قام الإحتلال على سبيل المثال بتبليغ السلطة بوجود نفق معادي في منطقة من مناطق القطاع، فكيف سيكون هنا تصرّف السلطة ؟ هل ستمنع أو تغلق النفق بحكم التنسيق الأمني المبني على الاتفاقيات الموقعة مع الإحتلال ؟ وبذلك تكون السلطة شريك في محاربة المقاومة، وتدخل في صدامات مع الفصائل الموجودة بالقطاع، وكما قلت سابقاً، هذه الفصائل كل منها يمتلك ترسانة عسكرية خاصة بها. أم سترفض القيام بأي شيء، وبالتالي ستصبح السلطة شريكاً في "الإرهاب" من وجهة نظر الإحتلال وأميركا وخلفهما المجتمع الدولي، وتصبح بذلك هدفاً عسكرياً للاحتلال، كما كان يحدث قبل 2006، حيث كان حينها الإحتلال يعاقب السلطة على أي عمل "عدائي" ضدها. حالة من التعقيد في هذا الملف، وهذا كله بالتزامن مع استمرار العقوبات المفروضة على قطاع غزة من قبل الرئيس محمود عباس للضغط على حماس نحو تنفيذ المصالحة، وبالتزامن أيضاً مع إغلاق معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر، حيث تسلّمت السلطة الفلسطينية زمام الأمور على كافة المعابر الخاصة بالقطاع منذ مطلع نوفمبر الحالي، وحتى اللحظة لم يتم فتح معبر رفح، وهو محدد موعده اليوم بتاريخ 15/ نوفمبر بأن يبدأ بالعمل. الدكتور رامي الحمد الله رئيس حكومة التوافق صرّح بأن عمل المعابر مرهوناً بملف الأمن، معبّراً عن استفهامه في كيفية عمل المعابر دون تولّي الأمن في القطاع، مما استدعى أن تقول حركة حماس أنها سلّمت المعبر وفقاً للاتفاق، وأنه لا داعي للتلكؤ وخلق شروط جديدة لعرقلة الأمور، وهذا كان على لسان القيادي سامي أبو زهري، ونفس الموقف حملته العديد من الشخصيات من كلا الطرفين، وسط أنباء عن اقتراح مصري بتشكيل لجنة عليا للإشراف على الأمن في القطاع، وبمشاركة مصرية، ولكن حتى لو تم ذلك، سيكون هناك تعارض بين السلطة المخولة بفرض الأمن، وبين التنظيمات التي لها أعمالها الميدانية على الأرض، وعبارة "سلاح واحد، قانون واحد، شرعية واحدة". أعتقد بأن المطلوب هنا من الكل الوطني الفلسطيني، أن يرجع خطوة للخلف، وأن يقدم كلا الأطراف التنازلات المؤدية لحل الأزمة، ولكن طبعاً دون الإخلال ببرنامج المقاومة الأساسي، التي يقوم الإحتلال بإقحامه في كل أوان، وذلك يكون بالوصول لبرنامج وطني نضالي مشترك، يجمع الكل الوطني فيه، وبالوصول لقرار فلسطيني جامع، بلا أي إقصاء لأي طرف، وتفويت الفرصة على العدو بإشعال مواجهة في القطاع، يصل بها إلى ما يهدف له من تقليم أظافر المقاومة في غزة، إستعداداً للحل السلمي النهائي، أو لصفقة القرن التي يتم الترويج لها.