توجهت أنظار العالم خلال الفترة الأخيرة إلى قمة بلدان "أبيك" ودول منتدى آسيا والمحيط الهادئ في منتجع دانانغ في فيتنام، حيث كان يدور الحديث حول لقاء قمة سيجمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأمريكي دونالد ترامب، وهو اللقاء الذي تحدث عنه الأخير كثيرًا مما دفع بعض السياسيين إلى التكهن بكون هذا الاجتماع سيرفع الكثير من التوترات بين البلدين المتنافسين في المنطقة، لكن كل الآمال السياسية انهارت بعد أن تراجع ترامب، في الساعات الأخيرة عن عقد اللقاء، الأمر الذي فتح الباب أمام تساؤلات حول الدوافع وراء هذا التراجع المفاجئ. وصل ترامب، إلى فيتنام قادمًا من الصين، أمس الجمعة، لحضور قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي "أبيك"، في المحطة الرابعة من جولته الآسيوية التي تستغرق 12 يومًا، وفي الوقت نفسه كان بوتين، قد وصل إلى فيتنام لحضور القمة ذاتها التي تنعقد تحت شعار "خلق حيوية جديدة، تعزيز مستقبل مشترك". بالتزامن مع وصول الرئيسين إلى فيتنام، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، أن الرئيس ترامب لن يلتقى نظيره الروسي على هامش القمة، وقالت: "لم يتم تأكيد عقد أي اجتماع، كما أنه لن يعقد بسبب صعوبة في التوفيق بين جداول الأعمال من الجانبين"، وأضافت: "الآن سيكونان في نفس المكان، هل يمكن أن يعثرا على بعضهما ويقولا مرحبًا؟ هذا أمر ممكن ومحتمل بالتأكيد، ولكن بشأن اجتماع رسمي مخطط له ليس هناك شيء من هذا القبيل في الأجندة، ونحن لا نتوقع حدوثه". تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض منافية لتصريحات سابقة عبر خلالها الرئيس ترامب، مرتين عن نيته عقد مباحثات مع بوتين خلال زيارتهما لفيتنام للضغط على روسيا لدعم تحركات واشنطن في كبح جماح التطلعات النووية لكوريا الشمالية، لكن يبدو أن هذه النية تقلصت لتتلخص في مصافحة قصيرة بين الرئيسين قبل التقاط صورة جماعية لقادة القمة، أمس الجمعة. في ذات الإطار، أعلن مصدر مسؤول في البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي عاد عن قرار لقاء نظيره الروسي على هامش "أبيك"، الأمر الذي مثّل إحراجًا شديدًا للمسؤولين الروس، خاصة بعد أن أكدت مصادر روسية أن الرئيس بوتين تردد طويلًا قبل اتخاذ قرار بالسفر لحضور القمة، حيث كان من المفترض أن يبعث بوتين برئيس الوزراء دميتري ميدفيديف، إلى فيتنام، على غرار ما حصل في العام 2015، لكن اللقاء مع ترامب حسم الأمر هذه المرة، فعندما أعرب البيت الأبيض عن اهتمامه بتنظيم لقاء بين الرئيسين ضمن أنشطة أبيك، قرر بوتين الذهاب، وعلى إثر ذلك أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أول أمس الخميس، أن التحضير لاجتماع بوتين وترامب مستمر على قدم وساق، ولم يتبق أمام أجهزة المراسم في البلدين سوى تحديد موعد اللقاء. التخبط الأمريكي غير المبرر دفع ديمتري بسكوف، الناطق باسم الرئيس الروسي، إلى انتقاد التصرفات الأمريكية، إذ قال إن "هناك معلومات متناقضة تأتي من الزملاء الأمريكيين"، وأضاف: على كل حال سيعقد لقاء بطريقة أو أخرى، فيما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: "لماذا تسألونني؟ نقول إننا سمعنا أن الرئيس ترامب يرغب في لقاء الرئيس بوتين، وهذا ما قاله الرئيس ترامب بنفسه". الجدير بالذكر أن هذا اللقاء الذي كان من المفترض أن يجمع بوتين وترامب، هو الثاني من نوعه للزعيمين، فقد عقدا اجتماعًا للمرة الأولى في يوليو الماضي، على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا، لكن على الرغم من هذا الاجتماع فإن العلاقات بين الطرفين لا تزال في أدنى مستوياتها منذ انتخاب ترامب. بعض المراقبين ربطوا بين إلغاء القمة بين الزعيمين في فيتنام وتدهور العلاقات الروسية الأمريكية منذ تنصيب ترامب، على خلفية الأزمة في سوريا والعراق وأوكرانيا، كما شهدت الأيام القليلة الماضية الكثير من الملاسنات بين الطرفين، كان آخرها أزمة إغلاق الولاياتالمتحدة القنصلية العامة الروسية في سان فرانسيسكو ومباني الممثلية التجارية الروسية في نيويوركوواشنطن، وهي الخطوة التي أغضبت موسكو كثيرًا واعتبرتها عملًا عدائيًا صريحًا ضدها، لكن أمريكا بررت هذه الخطوة بكونها ردًا على تقليص السلطات الروسية عدد الموظفين في البعثة الدبلوماسية الأمريكية. في ذات الإطار، استعرت الأزمة بين الطرفين على خليفة تصريح السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف، قبل أيام، الذي أكد فيه أن بلاده تجمع الوثائق اللازمة لرفع دعوى قضائية ضد تحرك الإدارة الأمريكية لإغلاق ممتلكات دبلوماسية روسية في الولاياتالمتحدة، وقال أنتونوف: السلطات الأمريكية أغلقت في شهر سبتمبر الماضي القنصلية العامة الروسية في سان فرانسيسكو، والبعثة التجارية في واشنطن وفرعها في نيويورك، وهي ممتلكات روسية وتتمتع بالحصانة الدبلوماسية لكن المقر الأخير كانت تستخدمه على أساس الإيجار. على جانب آخر، رأى بعض السياسيين أن إلغاء ترامب لقاءه مع بوتين جاء بسبب الضغوط الأمريكية عليه (ترامب) على خلفية التحقيقات الجارية في بلاده حول التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، خاصة بعد دخول التحقيقات في هذا الملف مرحلة الجد بعد توجيه التهم الأولى في التحقيق الذي يقوده المحقق الخاص روبرت مولر، أواخر أكتوبر الماضي، الأمر الذي يؤكد عدم وجود استراتيجية عمل واضحة لدى ترامب تجاه روسيا. في ذات الإطار، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف، أن ترامب لا يملك الاستقلال السياسي في علاقاته مع الكونجرس، وقال كوساتشوف، إن اللقاء لم يعقد بين بوتين وترامب لأن أي تصرف من جانب الأخير تجاه روسيا يسبب له مشاكل إضافية في بلاده، وأوضح السيناتور أن "الحديث الصريح البناء بين الطرفين كان سيتسبب لترامب بمشاكل فعلية في بلاده إذ كانوا سيتهمونه هناك بالتصرف وفقا لتعليمات بوتين".