تخفيض ميزانية الصحة النفسية كارثة سوهاج والسويس والفيوم خالية تمامًا من علاج الإدمان قائمة الانتظار لا تتناسب مع مرضى الإدمان تم التحقيق معي دون إبداء أسباب بالرغم من أن وزارة الداخلية أقرت بأن مشكلة الإدمان لا تقل خطورة عن مشكلة الإرهاب، إلا أن هناك تقصيرًا حكوميًّا لعلاج الإدمان, وبالرغم من أن البحث القومي للإدمان الذي أنشأته وزارة الصحة أقر بأن محافظة سوهاج ثاني محافظة لانتشار الإدمان على مستوى الجمهورية، إلا أنها خالية تمامًا من أي سرير أو عيادة لعلاج الإدمان. هذه الكارثة فجرها الدكتور عبد الرحمن حماد رئيس وحدة الإدمان السابق بمستشفى العباسية، الذي حاورته "البديل" ليكشف العديد من الكوارث في ملف الإدمان. و إلى نص الحوار.. ما تعليقك على تخفيض ميزانية الصحة النفسية من 127 مليون جنيه إلى 50 مليونًا فقط؟ هذه كارثة كبيرة، خاصة أن مستشفيات الصحة النفسية تعاني عجزًا رهيبًا في الخدمات المقدمة للمرضى, لدينا 18 مستشفى على مستوى الجمهورية تعاني من عجز في عدد الأسرة وقلة الكفاءات بسبب هجرة الأطباء, لذا فتخفيض الميزانية كارثة لا تتناسب مع حجم المشكلة أو المعايير العالمية. هل عدد آسرة الإدمان بالمستشفيات الحكومية متناسب مع عدد مرضى الإدمان في مصر؟ للأسف العجز في عدد الآسرة من أكبر المشكلات التي يواجهها المرضى والأطباء على حد سواء, والأسرة لا تتناسب مع عدد مرضى الإدمان بمصر، فالأرقام المعتمدة من صندوق مكافحة وعلاج الإدمان تقر بأن نسبة تعاطي المخدرات في مصر حوالي 10,5%, ونسبة إدمان المخدرات 2,5%، وللأسف عدد الأسرة أقل من تلك النسبة بصورة واضحة. حدثني عن ظاهرة «الويتينج ليست» والتي لا تتناسب مع مرضى الإدمان بصورة خاصة؟ بالفعل مريض الإدمان ذو طبيعة خاصة، أي أنه طالما قرر العلاج، فيجب أن يناله بشكل فوري؛ لأن التأخير أو إغلاق الباب في وجهه قد يجعله يتردد في قراره، أو يعود، ولا يأتي مرة أخرى؛ بسبب تأثير المخدر عليه؛ لذا يجب على الدولة توفير خدمات العلاج لمرضى الإدمان في كافة المحافظات، على الأقل يجب أن يتم توفير عيادات خارجية لفحص المرضى من قبل أطباء الرعاية الصحية، بعد أن يتم تدريبهم , وبعد خدمات الفحص يتم تحويل المرضى إلى أقرب محافظة ليتلقى العلاج, كما يمكن أيضًا الاستعانة ببعض الآسرة من المستشفيات العامة؛ لإنشاء أقسام إدمان بتلك المحافظات الخاوية من علاج الإدمان, لكن وجود محافظات خالية من علاج الإدمان بصورة تامة، فهذا لا يعني إلا فشلاً في التخطيط, ولحين تنفيذ تلك الحلول، يجب أن يتم تسهيل التراخيص، لعمل القطاع الخاص تحت إشراف طبي وتحت راية القانون وبروتوكول علاجي كامل مكون من طبيب, وإخصائي نفسي, وإخصائي اجتماعي ومدمن متعافي. صرحت من قبل أن المستشفيات النفسية أصبحت أشبه بدور الإيواء، فماذا تعني بذلك؟ نعم، المستشفيات النفسية أصبحت أشبه بدور الإيواء, فمعروف أن مريض الطب النفسي يأخذ وقتًا طويلاً في العلاج داخل المستشفى، ولكن لدينا مرضى ما زالوا بالمستشفى منذ 30 عامًا، رغم أن حالتهم أصبحت أكثر استقرارًا, مما يعني أن الألف سرير بالمستشفى على سبيل المثال محتل منها 300 سرير من قبل مرضى أصبحوا أكثر تحسنًا, ولكن أهاليهم رافضون لاستقبالهم، أو لم يستدل على ذويهم، والقانون يمنع المستشفى من تحريكهم، رغم أن المريض إذا استقرت حالته، يجب أن يكمل علاجه بالخارج؛ حتى يتسنى لمريض آخر الاستفادة من السرير, فهناك حالات كثيرة لا تستطيع دخول المستشفيات، وفرصها تقل في العلاج؛ بسبب عدم وجود آسرة كافية، ومن المفترض أن السرير الواحد يخدم 10 مرضى طوال العام, فتحول المستشفيات إلى دور إيواء مع قلة الخدمات للمرضى أدى إلى ظهور مصطلح «الويتينج ليست» للمرضى. هل تحول المستشفيات لدور إيواء سبب ظهور مراكز علاج الإدمان غير المرخصة، أم أن هناك أيضا تقصيرًا حكوميًّا؟ بالفعل لدينا نقص في الخدمات الحكومية المقدمة لمرضى الإدمان، فعلى سبيل المثال هناك 3 محافظات لا يوجد بها سرير واحد لعلاج الإدمان، وهي كارثة في حد ذاتها، فمحافظة سوهاج مثلاً تخلو من علاج الإدمان تمامًا، في حين أن البحث القومي للإدمان الذي أنشأته وزارة الصحة أكد أن سوهاج ثاني محافظة على مستوى الجمهورية في نسبة الإدمان، إلى جانب خلو الفيوم والسويس أيضًا من علاج الإدمان, وللأسف يمكننا قول إن 90% من أماكن العلاج في مصر يديرها المدمنون المتعافون، ولا تخضع للمعايير الطبية، ولا يتوفر بها إشراف طبي كامل. ولكن البعض يلجأ للمراكز غير المرخصة لأنها توفر خدمة (شحن المرضى)، والقانون يرفض علاج مريض الإدمان دون رغبته. بالفعل نحن بحاجة إلى تعديل القانون؛ لأنه يحمل قصورًا بيِّنًا، فكثير من المدمنين يمثلون خطورة على أنفسهم وعلى الآخرين؛ مما يعني أن علاجه أمر إلزامي, وللأسف القانون لا يوفر بندًا للحجز الإلزامي للمدمن, ولكن يجب على الأهالي التقصي عن أسماء أطباء معالجين للإدمان؛ لأن هذه المراكز غير المرخصة هي تحت إشراف مجموعة من المدمنين المتعافين دون أي إشراف طبي؛ مما يؤدي إلى وجود حالات وفاة وانتحار للمرضى داخل تلك المراكز, مع التقصي أيضًا عن أساليب العلاج وعدم التهاون في حقوق أبنائهم. تحدثت من قبل عن ظاهرة أبناء المدمنين وانخفاض سن الإدمان. حدثني عن ظاهرة إدمان الأطفال للمخدرات. للأسف أصبحنا بصدد أمر كارثي، وهو أن سن الإدمان أصبح قريبًا من عمر ال 10 سنوات، وبالفعل وردت حالات في مثل ذلك العمر تعاني من الإدمان, فالمشكلة الحقيقية تبدأ من عمر 14 عامًا؛ وذلك نظرًا لإمكانية توافر المخدرات الآن بصورة سهلة أكثر مما مضى, كما أن هناك أسبابًا خلف ظاهرة انخفاض سن الإدمان، منها الأسباب الجينية، وهي وجود الطفل فيما يسمى بالأسر الهشة التي يكون بها أحد الوالدين متعاطيًا للمخدرات، فمن المؤكد هنا أن الطفل سينشأ على ثقافة الإدمان؛ مما يؤهله لأن يكون مدمنًا في سن صغيرة، وحتى رؤية الأطفال لأحد الوالدين وهو يعاني أعراض الانسحاب عند العلاج من الإدمان من أسباب إدمانه, كما أن هناك أسبابًا أخرى مثل أن بعض الأسر يستغلون أبناءهم في الاتجار في المخدرات. أما الأسباب البيئية وهي وجود ثقافة المخدرات في المجتمع وصورة المدمن بالإعلام على أنه البطل الخارق, فتجعل الأطفال بصدد تناول المخدرات إلى جانب غياب الأهالي وانشغالهم عن أبنائهم، كل هذه الأسباب أدت إلى انخفاض سن الإدمان في مصر. عندما ذكرت نسب الإدمان والتعاطي، تم تحويلك للتحقيق، رغم أن هذه الأرقام صادرة عن بحث لوزارة الصحة, فلماذا أثيرت تلك الأزمة؟ هذه الأرقام وردت في البحث القومي لعلاج الإدمان الذي أجرته وزارة الصحة في عهد الدكتور عادل العدوي، والغريب في الأمر أن هذا البحث كان يتم توزيعه في معرض الكتاب 2013, وكنت أستعرض نتائج البحث، ولم يصلني ما يمنعني من التحدث عنه واستعراض تلك الأرقام، وطلبت أثناء التحقيق معي لجنة محايدة من أساتذة الجامعة؛ ليقروا باتفاق أو اختلاف ما صرحت به مع البحث، ولكنهم رفضوا ذلك, و قيل وقتها إنني ليس لي حق التحدث في الأمر، رغم أنني كنت مدير وحدة الإدمان بالعباسية وقتها، ثم أخذت جزاءات دون أي أسباب لذلك. ما تعليقك على قرار اقتطاع ارض من مستشفى العباسية لإنشاء جراج لوزارة الاستثمار؟ للأسف مستشفى العباسية ينطبق عليه مقولة "ليس له أهل يبحثون عنه", فلا أعلم بأي حق يتم اقتطاع جزء من أرض المستشفى لإنشاء جراج لوزارة الاستثمار، وكأن الحكومة تستكثر المستشفى على المرضى النفسيين, في حين أن المستشفى يقدم كمًّا هائلاً من الخدمات للمرضى، ففي عام 2016 فقط تردد على عيادة الإدمان حوالي 26 ألف مريض, وهو رقم مهول في عام واحد ولقسم واحد أيضًا، فما بالك بعدد المرضى المترددين على الأقسام الأخرى؟ كما أن مبنى مستشفى العباسية أثري، ولا يجوز المساس به، وهو ما أقرته محافظة القاهرة، لكن للأسف من يحاولون اقتطاع أجزاء من أرض المستشفى يبررون ذلك بأنها أجزاء من الحدائق أو الأماكن الشاسعة بالمستشفى، ولكن هذا أيضًا غير صحيح؛ فهذه الحدائق والمساحات الشاسعة حق للمرضى، ومن الممكن أن يتم استغلالها لصالحهم مع الوقت. انتشرت صفحات على التواصل الاجتماعي تروج لبيع المخدرات، فأين الأجهزة الرقابية؟ للأسف الترويج للمخدرات أصبح سهلاً بطريقة كبيرة، فقبل ذلك كان جلب المخدرات أمرًا غاية في الصعوبة. أما الآن فتجار المخدرات أصبحوا يروجون لها بكل سهولة, حتى وصل الأمر إلى أن بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تكتب علانية لدينا كافة أنواع المخدرات, فالأمر أصبح أكثر تعقيدًا، وهذه الصفحات وصل عددها إلى الملايين, وهناك ارتباط وثيق بين مشكلة المخدرات وبين ظروف دولية وداخلية وعصابات منظمة من التجار تستطيع مواجهة دول لها جيوش منظمة؛ بسبب الدخول الباهظة التي يحصلها هؤلاء التجار والتي تساعدهم على اقتناء أسلحة، إلى جانب الضغط على سياسيين وأعضاء برلمانات من قبل هؤلاء التجار. وما الحل إذًا؟ هناك اهتمام بمشكلة الإدمان، ولكن الجهود المبذولة أقل من حجم المشكلة، فوزارة الداخلية أقرت من قبل أن مشكلة الإدمان لا تقل خطورة عن الإرهاب, ورغم ذلك لا يوجد تعاون من قبل الجهات المنوط بها حل المشكلة، إلى جانب التنازع بين الأجهزة المختصة, إضافة إلى توجه الكفاءات إلى دول الخليج التي بدأت تدرك حجم مشكلة الإدمان بها، ومنها يتم استقطاب الكفاءات من مصر؛ بسبب قلة العروض المجزية في مصر, كل ذلك مع استبعاد تولي الكفاءات للمناصب وتولي أنصاف الموهوبين أدى إلى تفاقم الكارثة. صرحت بأن قرار الحكومة بإجراء تحليل إدمان للموظفين جيد، ولكن يجب ألا يكون انتقاميًّا، فماذا تقصد بذلك؟ أتفق تمامًا مع قرار إجراء تحاليل إدمان للموظفين, ولكن لا يكون على سبيل الانتقام، أي أن يكون القرار لصالح الموظف وليس ضده، ولا يكون الهدف منه تخفيض عدد الموظفين؛ لذا يجب قبل تطبيق القرار توفير كافة خدمات الرعاية والوقاية وخدمات العلاج أيضًا وتوفير تأهيل لهم، ومن ثم بيئة عمل خالية من المخدرات, ولكن فصل موظف يعول أسرة هو بمثابة تحويله إلى تاجر مخدرات؛ مما يزيد من حجم المشكلة وليس تقنينها.