حصار دائم للثغرة، وأكل أوراق الشجر من أجل سد الرمق، وترطيب اللسان بالمياه لسد العطش.. هكذا كان الحال داخل حصار ثغرة "الدفرسوار" في حرب أكتوبر، التي ظلت ملحمة تتوارثها الأجيال في النضال واستكمال مسيرة الانتصار. حسني عبد الحافظ مصطفى، ابن مركز القوصية بأسيوط أحد أبطال حرب أكتوبر، جندي بسلاح القاذف اللهبي الكبير بمنطقة العبيد بالسويس، دخل القوات المسلحة عام 1971 لتأدية الخدمة العسكرية، وشارك في حرب أكتوبر. التدريبات المكثفة والمعنويات المرتفعة قبل الحرب جعلت الجنود يتلهفون للانتقام والأخذ بالثأر واسترجاع حلاوة النصر، التي جعلت المجند حسني وزملاءه في تدريب مكثف قبل الحرب لمدة 4 شهور دون ملل أو كلل، في انتظار أي توجيهات وأوامر بالهجوم على العدو في أي لحظة. وفي الساعة الثانية ظهر يوم 6 أكتوبر حشدت القوات المسلحة للحرب، وقام سلاح القاذف اللهبي بتمشيط المنطقة بعد عبور قناة السويس، وسط تكبيرات الجنود، وظل المجند حسني وزملاؤه في قتال العدو لمدة أربعة أيام في ملحمة بطولية، استشهد فيها العديد من زملائه، وصدرت الأوامر بحفر الخنادق؛ للتمركز وانتظار الأوامر من القادة. وفي يوم 20 أكتوبر قامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة حسني وكتيبته داخل ثغرة "الدفراسوار"، وفي يوم 22 أكتوبر صدرت الأوامر بوقف إطلاق النار، لكن ظلت القوات محاصرة في الثغرة دون طعام أو شراب. استمرت الأوضاع المعيشية للمجندين داخل ثغرة "الدفراسوار"، التي لا يتحملها أحد، لأكثر من 4 شهور، مع تمشيط القوات الإسرائيلية للمنطقة بالطيران في الليل والنهار؛ من أجل ضبط أي مجند مصري؛ للقضاء عليه، وكان بعض المدنيين المحاصرين يقومون بجلب الدقيق للمجندين وجمع الحطب والخشب بعد انتهاء الدوريات الإسرائيلية لعمل خبز، ثم اضطروا لأكل أوراق الشجر، كما اضطروا لشرب "البول" من شدة العطش في أوقات الحر. في فترة الحرب انقطعت أخبار المجند حسني عن أهله، وظن الجميع أنه استشهد، حتى قام أحد زملائه بكتابة الخطابات لأهله نيابة عنه، ليستعيدوا الأمل في وجوده، وبعد ستة أشهر من الحرب عاد المجند إلى مدينته وسط حالة من الفرح، وقام أقاربه بحمله على الأعناق من محطة القطار حتى منزله.