يبدو أن الحكومة نجحت في تغيير مفاهيم اقتصادية ثابتة، حيث تحول مفهوم الخصخصة الذي هو تخلص الدولة من مؤسسات القطاع العام الخاسرة، إلى طرح مؤسسات تحقق أرباحًا في البورصة؛ بهدف زيادة رأس المال!! بدأت الخصخصة بمفهومها القديم في عام 1993 في عهد حكومة الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء ووزير قطاع الأعمال في ذلك الوقت. وعلى مدار 18 عامًا باع نظام مبارك القطاع العام الذي كان يحقق خسائر كبيرة؛ وذلك لتحسين أدائه، حيث رصد تقرير مركز المصريين للدراسات بيع 407 شركات قطاع أعمال عام، وبلغت حصيلة البيع أكثر من 57.3 مليار دولار، منها 9% من شركات الحكومة في عهد عاطف صدقي، وفي عهد كمال الجنزوري تم بيع 21% من الشركات، وفي عهد حكومة عاطف عبيد بيعت 21.6% من الشركات. أما أحمد نظيف فباع 48.4%، وبلغت خسائر قطاع المنسوجات المصرية نتيجة الخصخصة التي اتبعها نظام مبارك أكثر من 10 مليارات جنيه، بالإضافة إلى توقف 65 مصنعًا، وباعت الحكومة المصرية 236 شركة بسعر 33 مليار جنيه، في حين أنها تقدر ب 270 مليارًا؛ مما يعني إهدار 240 مليار جنيه على الدولة. وأوضح التقرير أن الشركات التي تم خصخصتها خفضت عدد العاملين بها من مليون إلى 370 ألفًا، ولم يستفد من نظام المعاش المبكر سوى 186 ألف عامل فقط، وهو خسارة إضافية للتنمية البشرية فى مصر. التقارير التي خرجت عن الخصخصة أيام مبارك كشفت خسائر أخرى جسيمة غير قيمة بيع شركات القطاع العام، وهي تعمُّد تخريب تلك الشركات؛ لكي يتمكن النظام من بيعها بحجة أنها تخسر، حيث كان مفهوم الخصخصة وقتها هو بيع الشركات الخاسرة، وهو ما حدث مع عمر أفندي وكوكاكولا. الدكتور رائد سلامة، الخبير الاقتصادي، أكد أن برنامج الخصخصة هو أكبر جريمة منظمة شهدتها مصر في تاريخها الحديث، وكشف أن المقصود من الخصخصة هو ربط الاقتصاد الوطني بالغرب، من خلال تخريب الصناعة والزراعة المصرية؛ من أجل إفقاد مصر استقلالها الوطني باعتمادها الكامل على الاستيراد. وأكد أنه أيام مبارك كان يتم تخسير الشركات والبنوك عمدًا؛ حتى يكون ذلك مبررًا لبيعها. أما الآن فقد تطور لدينا فكر الخصخصة الذي انتهي تقريبًا من كل العالم إلا من بلادنا؛ ليتم بيع الشركات والبنوك الرابحة أيضًا، فتُحرم الموازنة العامة من الأرباح التي تحققها هذه المؤسسات، وتفقد الدولة قدرة توجيه أحد أهم عناصر التمويل للتنمية الجادة المستقلة، وبنك القاهرة مثال حي لذلك. وأوضح أن بنك القاهرة يدخل الخصخصة رغم أنه حقق وفقًا للتقرير الختامي له منذ عام 2011 إلى عام 2016 صافى أرباح من 45 مليونًا فى 2011 إلى 2.208 مليار جنيه في 2016، بنسبة زيادة 4807%، وبلغ إجمالي الربح 3.253 مليار جنيه في 2016 بعدما سجل 438 مليونًا في 2011، وذلك بنسبة زيادة 643%، وارتفاع حجم الأصول من 49 مليار جنيه فىي 2011 إلى 131 مليارًا في 2016، بنسبة زيادة 166%، وسجل صافي العائد ارتفاعًا من 1.466 مليار جنيه في 2011 إلى 4.996 مليار جنيه في 2016، بنسبة زيادة قدرها 241%، وارتفع رصيد محفظة القروض من 17.413 مليار في 2011 إلى 42.395 مليار جنيه في 2016، بنسبة زيادة قدرها 143%، وارتفعت أرصدة الودائع من 43.599 مليار في 2011 إلى 106.723 مليار في 2016، بنسبة زيادة قدرها 145%، وبلغ إجمالي الضرائب المسددة 4.215 مليار جنيه عن الفترة من 2011 إلى 2016. يذكر أن لجنة القيد بالبورصة وافقت في فبراير 2017 على القيد المبدئي لأسهم بنك القاهرة برأس مال مصدر قدره 2.25 مليار جنيه موزع على 562.5 مليون سهم بقيمة قدرها 4 جنيهات للسهم الواحد. ولتبرير الطرح في البورصة قال منير الزاهد، رئيس بنك القاهرة، إن طرح أسهم زيادة رأس مال بنك القاهرة لا يعتبر خصخصة، ولكنه تمويل للتوسعات المستقبلية للبنك، من خلال طرح ما يعادل 20% من رأسماله على المستثمرين الأفراد والمؤسسات عبر البورصة المصرية، مؤكدًا أنه سيكون متاحًا لجميع المصريين للمشاركة في الاكتتاب. ورد الدكتور رائد سلامة، الخبير الاقتصادي، موضحًا أن الخصخصة التي نحن ضدها بشكل عام هي حرمان المجتمع من عوائد منتظمة للبنك إذا ما أُحسن استغلال وإدارة أصوله.