لا تزال الولاياتالمتحدةالأمريكية تحاول الوصول لنقطة المواجهة مع كوريا الشمالية، فالتوترات بين الطرفين تتجه نحو التصعيد بوتيرة سريعة، الأمر الذي دفع العديد من المراقبين إلى الترجيح باتجاه بيونج يانج إلى توجيه ضربة قاسية إلى واشنطن؛ لرسم خط أحمر لها، حيث لا يكاد يمر أسبوعان دون تقديم الولاياتالمتحدة حزمة عقوبات جديدة ضد النظام الكوري. في الوقت الذي تنادي فيه كل من ألمانياوالصينوروسيا بالتوجه نحو المحادثات والحوار مع بيونج يانج سياسيًّا ونبذ لغة التهديد والوعيد والتعنت التي تتبعها واشنطن وحلفاؤها أمثال كوريا الجنوبية، ولم تجدِ نفعًا، سواء مع كوريا الشمالية أو إيران أو غيرهما، تضرب واشنطن بكافة النداءات عرض الحائط، وتتجه إلى تسعير الأزمة الكورية، حيث وزعت الولاياتالمتحدة، مساء أمس الأحد، على بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي مشروع قرار لفرض حزمة ثامنة من العقوبات على كوريا الشمالية، ويتوقع أن يكون هذا النص نهائيًّا، وأن يطرح بصيغته هذه للتصويت في الجلسة التي سيعقدها المجلس بعد ظهر اليوم الاثنين، بطلب من الولاياتالمتحدة. تعتبر صيغة القرار التي تم توزيعها أمس على أعضاء مجلس الأمن مُعدلة، حيث سبق أن طرحت الولاياتالمتحدةالأمريكية صيغة سابقة بعقوبات قاسية، من ضمنها حظر صادرات بيونج يانج من النسيج وحجب تحويلات العمال الكوريين الشماليين في العالم، وتفتيش السفن المتجهة إلى كوريا الشمالية، وكذلك تجميد أموال الزعيم الكوري "كيم جونغ-اون"، لكن بعد مفاوضات مع الصينوروسيا على وجه التحديد وافقت أمريكا على تخفيف صيغة العقوبات، حيث تنص حاليًّا على فرض حظر تدريجي على إمدادات النفط المصدرة إلى كوريا الشمالية. من جانبها، استبقت بيونج يانج خطوة مجلس الأمن المصدقة على العقوبات الجديدة، بتحذير الولاياتالمتحدة بأنها ستلحق بها "أكبر ألم ومعاناة في حال إصرار واشنطن على فرض عقوبات أقسى في مجلس الأمن الدولي ضد كوريا"، حيث نشرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية بيانًا لوزارة الخارجية، حذرت فيه واشنطن من أنها إذا "سارت بالقرار غير الشرعي وغير العادل حول العقوبات المشددة، فإن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية سوف تحرص بشكل أكيد على أن تدفع الولاياتالمتحدة الثمن"، وأضاف البيان "الإجراءات المقبلة التي ستتخذها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ستلحق بالولاياتالمتحدة أكبر الألم والمعاناة الذي لم تختبره سابقًا طوال تاريخها"، وتابع: سيشهد العالم كيف تروض جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية رجال العصابات الأمريكيين عبر اتخاذ سلسلة إجراءات أقوى مما تخيلوه. تأتي هذه التوترات الجديدة بعد أيام من احتفال كوريا الشمالية بالذكرى السنوية لتأسيس البلاد، والذي أظهرت من خلاله تحديًا للعقوبات الدولية المتزايدة ضدها، حيث دعا المتحدث باسم الحزب الحاكم في كوريا الشمالية إلى المزيد من "الأحداث المعجزة"؛ لإظهار أن بيونج يانج قادرة على ردع الولاياتالمتحدة، مؤكدًا "نجهز حزمة هدايا للولايات المتحدة بأشكال وأحجام مختلفة"، فيما أشاد الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، بجهود علماء وخبراء بلاده النوويين الذين ساهموا في إنجاح التجربة النووية الأخيرة، وأوعز إليهم بتطوير السلاح النووي. في مقابل الإجراءات الأمريكية التي تتجه إلى إشعال مزيد من التوتر في شبه الجزيرة الكورية، أعلنت المستشارة الألمانية، إنجيلا ميركل، أن بلادها مستعدة لممارسة ضغوط دبلوماسية لإنهاء برنامج تطوير الأسلحة النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، على غرار الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران، حيث قالت ميركل في حديث مع صحيفة "فرانكفورتر الغيماينه": سأجيب مباشرة بنعم إذا طلب مني المشاركة في المحادثات، وأضافت المستشارة الألمانية أن تلك المحادثات كانت طويلة الأمد، لكنها شكلت حقبة دبلوماسية مهمة، وتابعت: يمكنني تصور صيغة مشابهة من اجل تسوية النزاع مع كوريا الشمالية، فعلى أوروبا، وخصوصًا ألمانيا، أن تكون مستعدة للمشاركة بشكل فاعل. تدرك أمريكا جيدًا أنها لا تملك قدرات كوريا الشمالية، ولا يمكنها الدخول في مواجهة عسكرية مع هذه الدولة النووية، خاصة إذا كانت بمفردها، ولا سيما أن روسياوالصين لوحتا مرارًا بالوقوف إلى جانب بيونج يانج في حال تعرضها لعدوان أمريكي، وهو ما أكده مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حينما قال إن الولاياتالمتحدة قلقة للغاية من أنه قد لا يكون بالإمكان ردع كوريا الشمالية، وأضاف المسؤول: "هناك خطر كبير من أن كوريا الشمالية قد تسيء تقدير الرد الأمريكي على سلوكها"، لكن على الرغم من ذلك فإن إدارة ترامب لا تزال تحاول وضع نفسها في موضع المواجهة العسكرية مع تلك الدولة النووية، التي لا تتراجع عن تهديداتها، ويتميز زعيمها بالتهور السياسي، الأمر الذي يضع ترامب أمام خيارين كلاهما مرّ: إما دفع ثمن تصعيدها مع بيونج يانج وتضخيم خطرها، أو التراجع بعض الخطوات إلى الوراء على غرار ما فعلته في العديد من الأزمات السابقة، مثل الأزمة السورية ورحيل الرئيس "بشار الأسد"، أو التهديدات الأمريكية بتمزيق الاتفاق النووي الإيراني.