ليس بغريب أن مملكة آل سعود لا يمكن تصنيفها أنها دولة "إسلامية"، فالإسلام بشقه السياسي لا يقتصر على شكليات تطبق بعض الحدود، وهيئة تسوق الناس إلى صلوات الجماعة بالقوة، في ظل حكم ملكي قائم على التوريث، متحالف مع الإمبريالية الأمريكية ولا يعبأ بقضايا العالم الإسلامي كالقدس وفلسطين، بل تتوازن مواقفه السياسية – جميعها- مع مصلحة الكيان الصهيوني وهو ما أعلنه قادتهم الواحد تلو الآخر. ومن هنا فالسياسة السعودية لم تكن تتعامل مع الإخوان المسلمين أو حركة حماس، ولا حتى دولة قطر من منطلق وحدة المبدأ أو القضايا المشتركة أو تلاقي الحل الإسلامي السياسي في كلا المشروعين، وإذا قسنا الأمر بالمواقف والممارسات، فالمبدأ السعودي أقرب للصهيوني منه للإخواني والقطري! وإن تلاقت الاتجاهات في المسألة السورية واليمنية فهو من قبيل المصالح المشتركة لا أكثر، والتي إن انفضت أسس هذا الاشتراك، لعادت المواقف المتباينة إلى حظائرها مرة أخرى، وهو ما حدث في تداعيات الأزمة السعودية- القطرية الأخيرة. لسنا هنا في معرض الحديث التفصيلي عن السياسة السعودية ومبادئها، لكننا نتعرض للحديث حول موقف الإخوان وحركة حماس من تطورات الحصار السعودي والخليجي على قطر، والضغط على الأخيرة لكي تتخلى تماما عن دعم الاخوان وحماس، فمن يقرأ بيان حركة حماس الأخير وانتقاداته الناعمة للموقف السعودي يلمس أن حماس مازال في جعبتها بعض الأمل تجاه تغير الموقف السعودي مهما كانت دوافع هذا الأمل، أو أن بعض بهاليل الاخوان في أكثر من مكان قد فوجئوا بالموقف السعودي، وهم كانوا يظنون أن السعودية والتيارات الإسلامية تقف في نفس "الخندق" على حد تعبيرهم... إن من يتعامل مع السعودية من تلك الأطراف طبقا لمبدأ البراغماتية، يعرف أن البراغماتية لايمكنها أن تنجح في التعامل مع السعودي، الذي لا يفهم في السياسة سوى لغة حق المال والأوامر فقط، بل يتعامل مع من هم دونه بطريقة: أنا أكسب وأنت تخسر، فهذه السياسة التي يفهمها ويتعامل معه عبرها الأمريكي ومن قبله البريطاني منذ عشرات السنين. وهذه مشكلة امتزاج العقلية القبلية، التي لم تفتح أقفالها سماحة الإسلام وعقلانيته ونبل غاياته بعد، مع لغة القوة والمال. وهذه المشكلة التي كان يتوجب على القطريين والحمساوية فهمها ووعيها منذ البداية... أما دراويش التيارات الإسلامية المتحالفة مع الإخوان، الذين كانوا يتعاملون مع السعودي من منطلق "الأخوة في الدين والعقيدة" وما شابه فلا عزاء لنا في مواساتهم على صدمتهم التي لاقوها من المواقف الأخيرة، خاصة التي يضغط فيها السعودي من أجل قمع كل حركات المقاومة والتحرر الفلسطينية في سبيل علاقة تطبيع دائمة مع الصهاينة ترضي ترامب الذي لا يكتفي بنصف تريليون دولار فقط!!! والآن ماذا تبقى من مواقف الجبهة التي كانت تسمي نفسها "معتدلة" والتي ظن أهلها أن بإمكانهم دعم محور الممانعة بما يخدم مصالحهم، وفي نفس الوقت التعامل مع جبهة الخنوع الخليجي الموالية للأمريكي والصهيوني بنفس الدرجة؟ جاء الزمن الذي فرض عليهم السعودي فيه تبني نفس مواقفهم الخانعة للكامل دون مواربة أو مناورة، ليعلم الجميع أن من يعزز علاقاته مع السعودي في النهاية سوف يخسر قناعاته ومصالحه أيضا، ومن يتعامل مع محور دول الممانعة سوف يكسب قناعاته ويحتفظ بضميره، ويحقق مكاسبه على الأرض، والأيام تشهد بذلك ومازالت…