ليس قوة الفريق الأوغندي خاصة وهو يواجهنا في ملعبه وجمهوره، ولا أزمة انخفاض مستوى بعض اللاعبين الذين يعتمد عليهم، أو حتى لغز فترة الإعداد الذي يشهد انضمام المحترفين من أنديتهم مباشرة للمباراة دون خوض فترة تدريب كافية في معسكر المنتخب، لكن المشكلة قد تتعلق بعقلية كوبر نفسه… لست بصدد الحديث المباشر عن خطة لعب المدير الفني الأرجنتيني هيكتور كوبر، أو الكلام عن اختياراته الفنية للاعبين بعينهم كما تحدث كثير من المحللين والمدربين، لكن الكلام عن "عقلية" كوبر يعني طريقة تفكيره الذهني في إدارة الفريق ككل خصوصا في وقت الأزمة… لاحظت أن المدير الفني لايفصل بين إدارة الأندية والمنتخبات، ففي الأندية يتعمد المدير الفني تحفيظ خطته للاعبين والاعتماد على قائمة موحدة تعمل معه طوال الموسم، وتحفظ طريقة أدائه وتتأقلم على خطته، يستوي في ذلك الأساسيون والاحتياطيون. أما المنتخبات فمن المعروف أن القائمة تتغير باستمرار طبقا للظروف الفنية لكل لاعب، ويبقى الثابت الوحيد هو وجود جهاز فني واحد بطريقة لعب "بعينها" قد تتغير بحسب طبيعة اللاعبين وظروف المباريات أو البطولات… لكن هيكتور كوبر يبدو أنه يدير المنتخب بطريقة الأندية، حيث يتعمد "تحفيظ" اللاعبين أفكاره والاعتماد على قوام من ثلاثين لاعب أو أكثر تقريبا قام بتدريبهم وتلقينهم تكتيكه الخططي، لذلك تجده يفضل اللاعب الذي تدرب معه ولو مرة واحدة عن الاعتماد على آخر قد يكون أكثر جاهزية فنيه منه ولكنه يتعرف عليه للمرة الأولى مثلا. ويأتي السؤال: هل هذا عيب؟ كل مدربي المنتخبات لهم قوام أساسي لاإنكار في ذلك، ولكن عدم وجود مساحة للمرونة واستيعاب لاعبين جدد هي المشكلة، والتي بانت في مباراة تونس، حيث ظهر غالبية اللاعبين بمستوى مخيب لأنهم ليسوا الأجهز بدنيا أو فنيا في تلك المرحلة، عبد الله السعيد ليس على نفس جاهزية أحمد الشيخ وهشام محمد آنذاك، وكذلك الحال مع كهربا ورمضان وحتى طارق حامد والنني! لذلك فعقلية كوبر تحمل مشكلة كبيرة لابد من تغييرها، تتمثل في إصراره على إدارة المنتخب بطريقة الأندية، والمتابع لتصريحه قبيل مباراة تونس عن كونه ليس مستعدا للمغامرة، وبعد المباراة باعتباره من الجنون أن يضحي بعمل دام سنتين مع نفس اللاعبين والخطة، يلمس ما أقوله. الأزمة التي تواجه كوبر الآن قد يكون حلها- في نظري- واحد من ثلاثة حلول: الأول في طريقة لعب جديدة لابد أن يجربها مع نفس القوام من اللاعبين، قد تكون 4/3/3 مع إعطاء مساحة من الحرية الهجومية للثلاثي الأمامي (صلاح وكهربا والمهاجم الصريح، أو صلاح ورمضان وكهربا)، وإلغاء دور صانع اللعب الصريح، وقد تسع العودة لليبرو في طريقة (3/4/3) خصوصا خارج الأرض، وهي المعتمدة على ظهيرين يقومان بمقام الجناحين، وليبرو كرامي ربيعة، يغطي بطء حجازي وقلة الخبرة الدولية لسعد سمير، خاصة بعد إصابة علي جبر، وثلاثي هجومي متحرر من الواجبات الدفاعية نوعا ما. والحل الثاني يكمن في الحفاظ على طريقته وخطته التقليدية لكن مع الاستعانة بلاعبين جدد، خاصة في الارتكاز وصناعة اللعب، كأن يبدأ بحسام عاشور وصالح جمعة استغلالا لحالتهما الفنية والبدنية التي قد تسفر عن مزيد من الاستحواز على الكرة وجودة أكبر في بناء الهجمات من الخلف للأمام… أما الحل الثالث، فهو الإبقاء على تشكيلته المعتادة، ولكن مع تغيير الأداء والرتم، كالبدء بدفاع ضاغط متقدم بطول الملعب لمدة ربع ساعة مثلا في بداية كل شوط، ومحاولة الاستحواز على الكرة بهدوء والقيام بنقلات قصيرة عرضية تضمن الاستحواز والسيطرة، في باقي المدة… وهو ماسيتفاجئ به الخصم لامحالة. ولأن كوبر يرى أنه من الصعب التضحية بكل تلك الأمور، سواء الخطة وطريقة اللعب أواللاعبين، أو نمط الأداء والرتم، فما أراه في الأفق أن أكبر صعوبة يواجهها كوبر هي "عقليته" نفسها وطريقة أدائه النمطية التي باتت محفوظة لكافة المنتخبات، واختفاء طابع المرونة في مواجهة الأزمة المقبلة المتمثلة في مباراة تعتبر بحق عنق الزجاجة الحقيقي في مشوارنا المؤهل لبطولة عالم غبنا عنها منذ عام 1990! وجدير بالذكر أن تلك الأزمة كان قد واجهها حسن شحاتة من قبل عندما أصر على الإبقاء على قوامه الأساسي، ففشل في التأهل لبطولة أفريقيا بعد أن تسيدها لثلاث بطولات متتالية! وواجهها الكابتن الجوهري – رحمه الله- في تصفيات كاس العالم 2002 عندما تشبث بقوامه الأساسي مفضلا تغيير مركز أحمد حسن من الوسط للظهير الأيمن عن مغامرة الدفع بإسلام الشاطر في هذا المركز للمرة الأولى، فكان أن خسرنا دينامو دفاعي وهجومي في وسط الملعب لم يعوضه أي لاعب خاصة في آخر ثلاث مباريات حاسمة في التصفيات. وواقعا تلك الإشكالية المتعلقة بعقلية كوبر، المفتقدة للمرونة واستيعاب تغير الظروف، متواجدة للأسف في العديد من الأشخاص، بعضهم قد يختلط عليه الفصل بين ثبات المبادئ وتغير نمط تطبيقها، فقديما كان علي بن أبي طالب يقول: لاتربوا أبناءكم على عاداتكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم، والمعنى هنا أن يتسم ولي الأمر بالمرونة واستيعاب طرق التوجيه والتربية والإرشاد لكن مع الاحتفاظ بالمبادئ الصلبة المعتمدة على القيم والأخلاق العامة… أيضا والتعميم هنا في غير محله، ألاحظ أن التشبث بالنمطية في العادات والسلوكيات، قد ترتبط أكثر بكبار السن، ممن يفقدون همتهم وحماسهم الدؤوب للتغيير والمجازفة، وظني أنه لو تم عمل إحصائية فسوف نجد أن أكثر المديرين الفنيين ثورية في تغيير خططتهم وأفكارهم حتى داخل المباراة الواحدة، هم ممن تقل أعمارهم عن الستين عاما، والعكس هنا صحيح أيضا. فهل يستطيع كوبر أن يتخلص في أهم مشكلة تقابله؟ عقليته النمطية وصلابته المبالغ فيها؟ أم يستمر عناده مع حاله وندفع نحن ثمن ذلك؟ سنرى يوم الخميس القادم…