في إطار محاولات الكيان الصهيوني التي لا تنتهي لتهجير الفلسطينيين وتشريدهم من مدنهم، والاستيلاء على المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية وفرض سياسة الأمر الواقع، تأتي مدينة القدس على رأس المدن التي تسعى إسرائيل إلى إفراغها من أهلها وتحويلها إلى ثكنة عسكرية ومستوطنات، ومن أجل الوصول إلى هذه الأهداف لم يترك الاحتلال بابًا لم يدق عليه سواء بشكل علني أو سري، ليأتي في نهاية المطاف قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس بمصادرة مبان مسيحية ليحاول إضفاء شرعية وهمية على ممارسات إسرائيل في المدينة. لا يزال حكم المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس، التي حكمت مطلع الشهر الجاري لصالح جماعات استيطانية فيما يتعلق بصفقة عقدت في زمن البطريرك السابق إيرينيوس، في عام 2004 وعرفت ب"صفقة باب الخليل"، تلقي بظلالها على المجتمع الفلسطيني ككل والمسيحيين بشكل خاص، حيث حكمت محكمة إسرائيلية لصالح استيلاء مستوطنين على فندقين ومبنى ضخم، تعود ملكيتها للكنيسة الأرثوذكسية في القدس، وقالت بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس إن المحكمة المركزية الإسرائيلية قبلت دعوى جماعات المستوطنين ضد البطريركية بما يتعلق بفندقي البتراء وأمبريال ومنزل المعظمية في منطقة باب الخليل داخل البلدة القديمة، الأمر الذي يعطي جماعات المستوطنين حق استئجار هذه العقارات لمدة 99 عامًا. هذا الحكم أعاد إلى الواجهة موضوع بيع وتأجير أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في القدس وغيرها من الأماكن في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، خاصة بعد أن تصاعدت خلال الأيام الأخيرة الدعوات من الطائفة الأرثوذكسية في فلسطين والأردن لعزل البطريك الحالي ثيوفيلوس، بعد نشر وسائل إعلام الاحتلال، الشهر الماضي، تقارير عن إبرام البطريركية صفقة أخرى لتأجير أراض كنسية في القدسالغربية لجهات إسرائيلية، حيث اتهم ممثلو المجلس المركزي الأرثوذكسي والشباب العربي الأرثوذكسي البطريرك الحالي ثيوفيلوس، ببيع أوقاف وعقارات تابعة للكنيسة الأرثوذكسية لشركات استيطانية وعدم إبطال صفقات بيع قام بها سلفه البطريرك إيرينيوس، وهو ما نفاه ثيوفيلوس، في مؤتمر صحفي نادر عقده في العاصمة الأردنية عمان قبل أيام. وقال ثيوفيلوس: لقد تحملنا بصمت وكنا شاهدين على حملة قاسية ضدنا وضد بطريركيتنا، حملة نمت بقوة يومًا بعد يوم وباتهامات زائفة استهدفت تراثنا ونزاهتنا، وأضاف البطريرك: إنه نداء واجبنا والتزامنا الذي أؤتمنا عليه من قبل الله الذي قادنا إلى كسر صمتنا والقول كفى تعني كفى، وتعهد البطريرك ثيوفيلوس، بالعمل أمام القضاء الإسرائيلي لإلغاء صفقة باب الخليل التي تشمل بيع فندقين ومبنى آخر في البلدة القديمة، قائلًا: سنبدأ عملية استئناف أمام المحكمة العليا ونثق بأن يكون هناك قرار يستند فقط إلى الأمور القانونية والإجرائية والعدل وستستنفد البطريركية كل ما في وسعها لقلب هذا الحكم الظالم. في إطار التحركات العربية الإسلامية والمسيحية ضد مصادرة أراضي وممتلكات الكنيسة في القدس، تعهد ممثلو المجلس المركزي الأرثوذكسي الفلسطيني، والشباب العربي الأرثوذكسي، بمواصلة التحرك لإلغاء صفقات بيع أملاك كنسية في القدس وغيرها لشركات استيطانية إسرائيلية، وقال ممثلو المجالس، أمس الأحد: نؤكد على سلمية نضالنا الأخير واستمراريته، ونؤكد أمامكم التزامنا بمقاطعة البطريرك ثيوفيلوس ومجمعه وكل من يمثله، وقال ممثلو هذه المؤسسات: البطريرك ثيوفيلوس يبيع أوقاف وعقارات الكنيسة الأرثوذكسية بيعًا كاملًا ويتنازل عن ملكية الأوقاف المسيحية لجهات استيطانية وشركات مجهولة الهوية مسجلة في جزر العذراء البريطانية، وجزر أخرى في الكاريبي، وأضافوا أن البطريرك يتواطأ في دفاعه عن باب الخليل وعقارات في القدسالشرقية، وأوضح المتحدثون أن صفقات البيع هذه لم تقتصر على أوقاف الكنيسة في القدس فقط، بل شملت بيع 700 دونم من أراضي الكنيسة في قيسارية وطبريا ويافا والرملة. ووزع المتحدثون خلال مؤتمرهم الصحفي، عشرات الوثائق التي تتحدث عن عمليات بيع أوقاف الكنيسة، وقال ممثلو المجلس المركزي الأرثوذكسي والشباب العربي الأرثوذكسي إن "هذا البطريرك الذي جاء على ظهر انقلاب تم التخطيط له مسبقًا ليحافظ على الأوقاف الأرثوذكسية كما تعهد، وقع ولم يلغ صفقة باب الخليل المشؤومة، وتعمد إساءة إدارة معركتها القانونية وبالتالي خسارتها، مؤكدين على "تصعيد حملة الاحتجاجات الشعبية بالتزامن مع مسار قانوني بدأ فعلًا لإلغاء صفقات البيع ومحاسبة المتورطين فيها"، وناشدوا رؤساء الكنائس في العالم بضرورة التدخل للحفاظ على مستقبل بطريركية الروم الأرثوذكس وضرورة الحفاظ على هوية الأرض المقدسة. من جانبه، قال بطريرك اللاتين السابق، ميشيل صباح: الوقف أرض، والأرض في فلسطين هي موضوع صراع، والوقف أرض فلسطينية، وتمريرها إلى شعب آخر في حالة حرب هو عمل حرب، وأضاف "ما حدث هو خروج على الشعب، وعلى المؤمنين، وخروج على الكنيسة التي رسالتها رسالة عدل وسلام، تبديل ملكية الوقف، أي أرض الكنيسة، هو عمل حربي، هو تجريد الكنيسة، وتجريد المؤمنين، وتجريد فلسطين من جزء منها"، وتابع قائلًا: في يومنا هذا يسمع المؤمنون عن صفقات بيع وتأجير من قبل الكنيسة، لها تبعات سياسية خطيرة عليهم وعلى الكنيسة، مؤكدًا أن بعض الأوقاف في باب الخليل وضعت في أيدي جماعات متطرفة من أهدافها إقصاء الفلسطيني المسيحي أو المسلم على السواء. تأتي المحاولات الإسرائيلية الالتفافية للاستيلاء على المقدسات المسيحية بعد محاولات مماثلة للاستيلاء على المسجد الأقصى وتهويده، فضلا عن محاولات الاستيلاء على الأراضي كافة في مدينة القدس، واستنفذت إسرائيل كافة خياراتها من أجل تهجير أهالي مدينة القدس من ديارهم ومدينتهم المقدسة، فلم يتوان الاحتلال عن هدم المباني ومنازل المواطنين وبناء الجدران لشرذمة العائلات والأسر وتشريدها، إلى جانب تشديد الإجراءات الأمنية وتحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية يحظر على أهلها التحرك فيها بحرية حفاظًا على أمن وسلامة قطعان المستوطنين، أضف إلى ذلك عمليات الاعتقال واقتحام المنازل بدون أي أسباب واضحة، ليصب كل ذلك في هدف إحباط آمال الفلسطينيين هناك والشعور بالتهديد المستمر، مما قد يدفعهم إلى هجرة المدينة وترك بيوتهم، لكن صمود الفلسطينيين ومثابرتهم لا تزالان تذهلان الاحتلال، فأقدام المقدسيين هناك متشبثه بالأرض والمقدسات، ولا يستطيع أحد اقتلاعها مهما قست الظروف.