رغم مسيرته الفنية القصيرة، لكنه ترك بصمة مميزة في السينما المصرية والعربية على حد سواء.. فيلسوف عاشق للتفاصيل، صعيدي "جدع" انحاز للمهمشين والبسطاء، انتمى لعالم شديد الخصوصية والسحر، حتى أصبح حالة إنسانية ثرية وحالمة. لم يمهله عمره القصير في إنتاج سينمائي كبير، لكنه ترك ثلاث علامات تدرس لكل عاشق للفن، هي "ليه يابنفسج، وعرق البلح، والساحر"، إنه المخرج الراحل رضوان الكاشف، ساحر السينما المصرية، الذي ولد في السادس من أغسطس 1952. وقالت ماجدة خير الله، الناقدة الفنية: رغم قلة أعمال رضوان الكاشف السينمائية، إلا أنه ترك ثلاث علامات مميزة في تاريخ السينما المصرية؛ تمثلت في الأفلام الروائية الطويلة "ليه يا بنفسج 1992″، و"عرق البلح 1998″، و"الساحر 2002″، فهو مخرج ينتمي لمدرسة الواقعية السحرية"، موضحة أن فيلم عرق البلح، يظل عالما خاصا جدا؛ شخوصه وعلاقاته الإنسانية مختلفة تماما عما اعتاده المشاهد، مشاكله غير معروفة، شاهدنا في الفيلم أحداثا في زمن غير محدد يسيطر عليها جو أسطوري ساحر لطبيعة الصعيد وعاداته وتقاليده. وأضافت خير الله ل"البديل" أن معظم أفلام الكاشف يسيطر عليه مسحة من الحزن والأسى، دون نشر اليأس، بل يبحث أبطالها عن البهجة وسط قسوة الحياة وصعوبتها، الأمر الذي تجلى في "الساحر"، حيث نظرية البهجة، وأهدى الفيلم قائلا: "أنا اللي بالأمر المحال اغتوى.. إلى سعاد حسني وصلاح جاهين.. بهجة البسطاء"، متابعا: "الراحل قدم أبطاله بتسامح شديد على الشاشة، لا يدينها ولا يصدر أحكاما عليها، يقترب منها بعمق، يعرض المشكلة التي تمس أحوال الناس وظروفهم، لا يصفهم بأنهم عشوائيين مخطئين، كما في الحارة الشعبية، سواء في "ليه يا بنفسج" أو "الساحر"، فلا يتعالى عليهم كمثقف، لكن يطرح مشكلاتهم بمنتهى الوعي. وعن قلة إنتاجه السينمائي، أكدت خير الله: "لم يكن من السهل أن تلقى قضايا الكاشف قبولا ورضا السينما التجارية ونوعية الأفلام التي اعتاد الجمهور مشاهدتها، لكنه في النهاية انتصر للكيف وليس الكم؛ نظرا لدقته الشديدة في إخراج أعماله"، لافتة إلى الظروف الصعبة والتكاليف الباهظة التي واجهت فيلم عرق البلح؛ فالتصوير استغرق 10 أشهر في إحدى قرى الواحات، كما أن الشخصيات التي استعان بها في الفيلم، ليست نجوم شباك. وأشارت الناقدة الفنية إلى انتماء الكاشف لسينما المؤلف، وهذه طبيعة المخرجين المتميزين أصحاب اللغة البصرية السينمائية المميزة، يكونوا أقدر على توصيل أفكارهم وكادراتهم بكتابتها بأنفسهم، مثلما يفعل داود عبد السيد أيضا في كتابة أفلامه، مضيفة أنه لم يكن مخرجا محترفا فقط، بل مبدعا، والفرق شاسع بينهما، فالنوع الأول منهم عشرات ومئات من خريجي معهد السينما، لكن الكاشف كان مبدعا قدم بطاقة هويته من خلال فيلمه، نتعرف عليه من شخوصه وعالمه وزوايا كاميراته ولقطاته، قبل أن نقرأ اسمه على تتر الفيلم. وقال محمود عبد الشكور، الناقد الفني، إن سينما الكاشف تعد امتدادا لتيار الواقعية الجديدة التي تهتم بالإنسان وبعالم الشخصيات البسيطة المهمشة وحكاياتها، وعرضها بشكل فني واعي، ينتمي لجيل مثقف امتزجت لديه السياسة بالمجتمع، وأصوله السوهاجية أكسبته العمق الخاص بالصعيد وأسراره، وظهر ذلك جليا في "عرق البلح"، حيث الحي الشعبي والشخصيات البسيطة التي قابلها وعاش معها، سواء في السيدة زينب أو حي المنيل. وأكد عبد الشكور ل"البديل" أن الكاشف كان صاحب مشروع فني، ويمتلك القدرة على التعبير عن أفكاره، وعندما أقدم على الإخراج كان وصل لحالة من النضج الفني والثقافي والسينمائي، وشكلت عدة عوامل تجربته السينمائية؛ أبرزها أنه كان ابن جيل السبعينات تلك الفترة التي شهدت تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، فضلا عن دراسته للفلسفة وإسهامه الثقافي والأدبي والشعري قبل أن يصبح مخرجا، حيث ألّف "عن أب عربي، وخطيب الثورة العرابية عبد الله النديم"، كما أنه تتلمذ على يد مخرجين كبار أمثال يوسف شاهين، وداود عبد السيد، وصلاح أبو سيف، حتى احترف الصناعة بامتياز. وأردف عبد الشكور أن الكاشف نجح في رائعته "عرق البلح"، تقديم أكبر هجاء للقرية في تاريخ السينما المصرية، ليسجل تراجيديا صعيدية من طراز رفيع، لم تقدم من قبل، مؤكدا أنه عرض على الشريط السينمائي حالة شديدة الحساسية عن المرأة بأسلوب سحري شاعري مبهر؛ فلأول مرة نرى عالم النساء الخاص بطريقة غير مسبوقة، كما كان دقيقا وثاقبا ونجح بأحداثه وشخوصه أن يحدث نوعا من التعري للقرية في "عرق البلح"؛ اجتماعيا وسلوكيا وإنسانيا، وناقش بعمق هجرة المصريين للخارج بسبب ضيق الأرزاق، وكيف تتكشف المشكلات العائلية بعد السفر. واستطرد أن انحيازات الكاشف اليسارية كانت واضحة في أفلامه، حيث ارتبط بالمهمشين والغلابة، ونجح في تجسيدهم على الشاشة في فيلميه "الساحر"، و"ليه يا بنفسج"، كما أنه الصعيدي الذي قدم الجنوب بطريقة ناضجة وواعية لأول مرة على الشاشة في "عرق البلح"، لكن لم ينل التكريم اللائق به حتى الآن، مطالبا بإطلاق اسمه على أحد الشوارع وقاعات السينما المملوكة للدولة أو المجلس الأعلى للثقافة، وتمنح الجوائز باسمه مع غيره من قامات الإخراج السينمائي. ويرى طارق الشناوي، الناقد الفني، أن الكاشف صاحب مشروع فني لم يكتمل؛ لأنه قدم ثلاثة أعمال روائية طويلة فقط، وكان ينتمي لجيل الواقعية السحرية الذي تأثر بالأدب اللاتيني الذي ينتمي لهذه المدرسة، ويعتبر "ليه يا بنفسج" الفيلم الأهم للكاشف، حيث اتسم بالنضج الشديد والتعبير بمصداقية عن الحارة الشعبية وشخصياتها وحكاياتها.