لاتزال وثائق بنما التي تم تسريبها في عام 2015، تلقي بظلالها على بعض الدول وفي مقدمتها باكستان، حيث قضت المحكمة العليا الباكستانية، الجمعة الماضية، بعدم أهلية رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، للبقاء فى منصبه، على خلفية تحقيق أجرته المحكمة حول ثروة عائلته، بعد أن كشفت وثائق بنما ارتباط أبناء رئيس الوزراء بشركات مُسجّلة خارج باكستان، وأفضت التحقيقات في أصول غير معلنة تمتلكها أسرة شريف إلى إقالته، وربما دخول الدولة في موجة من الاضطراب السياسي. لعنة العزل صدر حكم المحكمة العليا الباكستانية بإجماع هيئة المحكمة، المؤلفة من 5 قضاة، وعلى الرغم من نفي نواز شريف، المتكرر خلال التحقيقات معه، اقتراف أي مخالفة فى القضية، لكن الهيئة أوصت بمقاضاته مع عدة أشخاص، بينهم ابنته مريم وزوجها صافدار، ووزير المالية إسحق دار، وغيرهم، مع عزل رئيس الوزراء من منصبه. عزل شريف، أنهى فترة حكمه الثالثة التي لم تكتمل بعد، حيث كان قد تولى رئاسة الوزراء لولايتين سابقتين قبل الولاية الحالية التي من المفترض أن تنتهي في عام 2018، وربما ينهي هذا الحكم مسيرة عمل شاقة وحياة سياسية شابها الكثير من العراقيل حيث تم اتهامه مرارًا بالفساد، ما أجبره على التنحي عن منصبه في أول مرة له كرئيس للوزراء عام 1993، ليعود مجددًا في عام 1997 رئيسًا للوزراء، وتجرى في تلك الفترة أول التجارب النووية في باكستان، إلا أن المواجهة مع الجيش الوطني القوي أدت إلى انتهاء فترة ولايته الثانية قبل أوانها في عام 1999، ليعيش في السعودية لمدة 8 سنوات قبل أن يعود مجددًا إلى باكستان عام 2007، بعد أن أصدرت المحكمة الباكستانية العليا حكمًا ببراءته من تهم القتل والفساد. وفي 4 يونيو عام 2013 تم انتخابه مجددًا وسط اتهامات بتزوير الانتخابات حينها بعد حصوله على 244 صوتًا في البرلمان، لكن جاءت الاتهامات الحالية لتنهي ولايته الثالثة التي لم تكتمل أيضًا على غرار سابقتيها، وتُكمل المفارقات السياسية التي تحدث في باكستان، حيث لم يُكمل أي رئيس لحكومة باكستان ولايته المُحددة ب5 سنوات منذ استقلال البلاد عن الحكم الاستعماري البريطاني عام 1947، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول عزل شريف، وهل سيستسلم لحكم المحكمة الباكستانية بعزله هذه المرة أم أنه سيعود مجددًا كما عاد مرتين سابقتين إلى الحكم بعد عزله. من يخلف شريف؟ اختار نواز شريف، شقيقه شهباز، ليكون خلفه السياسي، فيما سيكون وزير النفط السابق شهيد حقان عباسي، رئيسًا للوزراء بشكل مؤقت، حيث قال رئيس الوزراء المستقيل نواز شريف، في خطابه الأخير أمام حزبه: أدعم شهباز شريف خلفًا من بعدي، لكن ترشحه للانتخابات سيأخذ وقتًا، لذا أسمي الآن شهيد حقان عباسي ليترأس الحكومة بالوكالة. ويتولى شهباز، منصب رئيس وزراء إقليم البنجاب منذ عام 2008، كما أنه عضو في مجلس الولاية، واشتهر بالكفاءة الإدارية والتركيز على البنية الأساسية، لكن يتعين تجهيز شهباز لكي يصبح رئيسًا للوزراء، حيث من المفترض أن يتنحى عن رئاسة إقليم "البنجاب" ليتم انتخابه أولًا في الجمعية الوطنية قبل أن يصبح رئيسًا جديدًا للوزراء خلفًا لشقيقه. تتصاعد فرص فوز شهباز برئاسة الوزراء، لكن في الوقت نفسه فإن شقيق رئيس الوزراء المعزول يواجه خصومًا أقوياء من المعارضة، يأتي على رأسهم زعيم المعارضة الباكستانية عمران خان، الذي كان سببًا في عزل شريف، عندما طالب قبل سنوات بالتحقيق معه بشبهات فساد، حيث سخر خان، من اختيار شريف، شقيقه لخلافته، ووصف تعاقب العائلات السياسية على حكم البلاد بأنه "شكل للملكية"، وقال زعيم المعارضة: الأحزاب السياسية ليس لديها ديمقراطية داخلها، إنها أحزاب عائلية، في الواقع هي مثل شكل للملكية. على الرغم من أن فرص فوز شهباز كبيرة، فإن هناك مرشحين آخرين لخلافة شريف، على رأسهم وزير الدفاع خواجة محمد آصف، الذى يعتبر أحد أكثر الحلفاء ثقة من رئيس الوزراء شريف، كما أنه يمتلك فرصة جيدة للفوز بالمنصب، فقد سبق أن تولى سلسلة مناصب رئيسية، وانتخب عضوًا فى الجمعية الوطنية عن منطقة "سيالكوت" التي تعد مركزًا صناعيًا هامًا في مقاطعة البنجاب منذ عام 1993. فيما يبقى اسم المرشح الثالث وزير الداخلية شودري نزار علي خان، قويًا على الساحة السياسية، حيث يعتبر أحد أشد المحاربين في الرابطة الإسلامية، واعتبر حتى وقت قريب عاملًا أساسيًا لنجاح رئيس الوزراء المعزول شريف، كما أن شودرى، يمتلك علاقات جيدة ووثيقة مع الجيش، وهي علاقة من شأنها أن تخدمه جيدًا إذا قرر الترشح لمنصب رئاسة الوزراء. كما اتخذ رئيس البرلمان الباكستاني سردار صادق، قرارًا بالترشح على منصب رئيس الوزراء المقبل، وبدأ صادق مسيرته السياسية كداعم لحزب "تهريك إنساف" الباكستاني، لكنه استقال في انتخابات عام 2002، كما فقد صادق مقعده في الانتخابات العامة التي أجريت عام 2013 عن منطقة لاهور، بعد عامين فقط عقب مزاعم بتزوير الأصوات، ولم يعاد انتخابه إلا في انتخابات فرعية.