قبل أيام انتهى مجلس الدولة من مراجعة قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل تشريعيًّا، وتم إرساله إلى مجلس الوزراء الذي انتهى بدوره من إعداد الدراسة الإكتوارية الخاصة بالتمويل، تمهيدًا لعرضه أمام مجلس النواب خلال دورة الانعقاد الجديدة، التي تبدأ في أكتوبر القادم، ولكن كانت هناك نسخة جديدة للقانون الذي استغرق إعداده أكثر من 12 عامًا، تم الانتهاء منها من قبل اللجنة المسؤولة عن إعداد النسخة الأخيرة من القانون، وذلك بتاريخ 5 إبريل الماضي، ووعدت اللجنة بإرسال تلك النسخة إلى مجلس الوزراء، ولكنها اختفت في ظروف غامضة بحسب مصادر خاصة داخل اللجنة، بينما عُرضت على الحكومة نسخة أخرى بديلة مليئة بالثغرات والكوارث التي تهدد الصحة العامة والخدمة الطبية المقدمة للمواطن المصري. وبين 20 ديسمبر 2015 و28 فبراير 2017 صدرت 7 نسخ من مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل، جرت خلالها سلسلة حوارات بين المدافعين عن القانون، وشملوا مسؤولين في وزارة الصحة والسكان وهيئة التأمين الصحي ولجنة الصحة بمجلس النواب، وبين معارضين لبنود هامة في القانون، وعلى رأسهم لجنة الدفاع عن الحق في الصحة ونقابة أطباء مصر. سلعة أم خدمة؟ يقول الدكتور عبد الحميد أباظة، رئيس لجنة إعداد قانون التأمين الصحي الجديد، إن من حق المواطنين الذين بنيت المستشفيات بأموالهم، سواء أموال المنتفعين بالتأمين الصحي أو أموال دافعي الضرائب، أن يتمتعوا بالخدمة الصحية الكاملة في تلك المستشفيات بسعر التكلفة، ويساهم القطاع الخاص حين الضرورة. وأوضح ل "البديل" على أن معظم الهيكل الصحي في مصر من مستشفيات جامعية ومختلف الهيئات التابعة لوزارة الصحة خدمي، يقدم الخدمة للتأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة بالتكلفة فقط، وأن القطاع الخاص فى مجال المستشفيات الذى يهدف أساسًا للربح هو الأصغر. ثغرات في القانون ومن جهته قال الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، إن قانون التأمين الصحي الجديد يحول المستشفيات الحكومية كلها بعد تأهيلها وفق معايير الجودة إلى مستشفيات ربحية، كاشفًا أنه يضم جميع المستشفيات الحكومية ضمن هيئة تقديم الرعاية الصحية التي لا ينص القانون على أنها غير ربحية. حيث ينص القانون صراحة بحسب تعبيره على أن هيئة التأمين الصحي الاجتماعي الشامل تعين لجنة تسعير ربعها من مقدمي الخدمة من القطاع الخاص وربعها من خبراء التسعير بالسوق (أي القطاع الخاص) لكي تحدد السعر الواحد الذي تشتري به الخدمة من كل من المستشفيات الخاصة والمستشفيات الحكومية، وهي بذلك تقدم الخدمة الصحية مُحملة بالربح. وتساءل خليل حول ما إذا كانت مشكلة التأمين الصحي الرئيسية تتمثل في التمويل الذي يجعل تطبيقه يتم عبر 12 عامًا، فلماذا نحمل أنفسنا بالتمويل الزائد وهو ربح المستشفيات الحكومية بحسب تعبيره، قائلًا : "ماذا يحدث إذا لم يتم استيفاء معايير الجودة للمستشفيات الحكومية خلال ثلاث سنوات؟ يتم إلغاء التعاقد معها، حتى لو كانت تابعة للدولة، وبالتالي لا يتبقى أمامها إلا بيعها للقطاع الخاص، يديرها أو يهدمها لاستغلال الأرض المقامة عليها". وأكد خليل، في تصريحات خاصة ل"البديل"، أن الجودة هى ستار لخصخصة المستشفيات الحكومية، وطالب بتوحيد الهيكل الحكومي لتقديم الخدمة فى هيكل تأميني واحد لا يهدف للربح. أزمة أخرى فى القانون الجديد أثارها منسق الدفاع عن الحق في الصحة، تتمثل في أن مبدأ التأمين الصحي هو أن يدفع المشترك اشتراكًا يمثل نسبة ثابتة من دخله، حتى وهو سليم، لكي لا يضطر إلى دفع مبالغ إضافية عندما يمرض، قد تعسر، أو تمنع تلقيه العلاج، ولكن القانون الجديد يصطنع بجانب الاشتراك مساهمات تمثل نسبًا من ثمن الدواء والفحوص الإشعاعية والتحاليل قد تبلغ مئات الجنيهات شهريًّا مما لا نعرفه إلا في التأمين الصحي التجاري وليس الاجتماعي، مطالبً بالاقتصار على الاشتراك، حتى لو زادت قيمته مع إلغاء المساهمات. كارثة في تأمين الأطفال أوضح الدكتور علاء غنام، عضو اللجنة القومية لإعداد القانون الجديد، أن هناك إشكالية ثالثة في القانون الجديد، تتمثل في أن جميع دول العالم تؤمن على الأطفال حتى سن 18 عامًا على نفقة الدولة، والبعض الآخر يحمل ذويهم بمساهمات رمزية، وهو ما يحدث في مصر، ولكن القانون الجديد يجعل الأب أو ولي الأمر يتحمل الخدمة الطبية بخصم ثلاثة أرباع في المائة عن كل طفل، فضلًا عن تحمل 1% من دخله اشتراكًا له، و 2% من قيمة الاشتراك عن زوجته، وهذا يعني أن العامل الذى لديه أربعة أطفال يكون مُلزمًا بتسديد اشتراك 6.5%، بينما يتحمل رب العمل 3% فقط، ما يتنافى مع قيم العدالة الاجتماعية، بل إن عدم دفع ولي الأمر للاشتراك (إذا كان عاملاً لدى نفسه) يوقف قيد الطالب في المدرسة. وطالب غنام أن تتحمل الدولة من حيث الأساس تكلفة التأمين الصحي على الطلاب، لأن هذا هو ما يُنمي القوة الإنتاجية البشرية للمجتمع.