تعتبر الأزمة القبرصية إحدى أقدم الأزمات السياسية في العالم، حيث شهدت الجزيرة القبرصية المنقسمة منذ ما يزيد على أربعة عقود أزمة سياسية طاحنة، عجزت الكثير من الدول عن حلها أو التوسط فيها، لكن الآمال في حل هذه الأزمة بقيت موجودة، خاصة بعد تدخل الأممالمتحدة فيها منذ مايو 2015، الأمر الذي أعطى بصيص أمل بانتهائها أو على الأقل حلحلتها، لكن جاء إعلان الأممالمتحدة مؤخرًا انتهاء المفاوضات بفشل ذريع في التوصل إلى حل ليحبط كل هذه الآمال، ويُعيد الأزمة إلى نقطة الصفر. انتهاء المفاوضات أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اليوم الجمعة، عن انتهاء المفاوضات التي بدأت في "كران مونتانا" السويسرية بدعم من الأممالمتحدة في 29 يونيو الماضي، دون التوصل إلى اتفاق، وقال "غوتيريش" للصحفيين هناك: أنا آسف جدًّا أن أبلغكم أنه بالرغم من الالتزام القوي والكبير ومشاركة كل الوفود والأطراف المختلفة، فإن المؤتمر حول قبرص اختتم من دون التوصل إلى اتفاق. وأضاف: كان واضحًا أنه كانت هناك مسافة بارزة بين الوفود حول العديد من المواضيع، وأن التوصل إلى اتفاق غير ممكن. وأشار إلى أنه بالرغم من أن مؤتمر كران مونتانا لم يكن مثمرًا، إلا أن هذا لا يعني أن مبادرات أخرى لا يمكن تطويرها من أجل معالجة المشكلة القبرصية. من جانبه أكد وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، أن "الجولة الثانية من مؤتمر قبرص انتهت دون التوصل لحل للموضوع القبرصي، رغم كل هذه المساعي الإيجابية والطويلة الأمد"، مضيفًا أن ذلك يدل على استحالة التوصل لنتيجة ما في إطار معطيات النوايا الحسنة التي تطرحها الأممالمتحدة. إعلان الأمين العام للأمم المتحدة جاء ليغلق باب المفاوضات، ويقطع الطريق على الآمال التي وضعت على عاتق الأممالمتحدة في إنهاء هذه الأزمة، فحينما انطلقت المفاوضات وُصفت من بعض المراقبين والسياسيين على أنها "الفرصة الأفضل" لتوحيد الجزيرة المنقسمة منذ 40 عامًا وإنهاء إحدى أقدم الأزمات السياسية في العالم، وكان الأمين العام للأمم المتحدة حينها متفائلًا بشدة، ووصفها بأنها "بناءة للغاية"، وحث الطرفين المتنازعين على الإمساك بفرصة تاريخية للتوصل إلى تسوية شاملة للأزمة، لكن "غوتيريش" وجد نفسه في نهاية المطاف مضطرًّا لإعلان فشله في الوصول إلى أي نتيجة تنهي هذا الاحتقان السياسي. ما هي الأزمة القبرصية؟ ترجع الأزمة إلى عام 1974، بعد أن أمر رئيس الوزراء التركي آنذاك، بولنت أجاويد، قوات الجيش بالتدخل عسكريًّا في قبرص؛ ردًّا على انقلاب قام به قوميون قبارصة يونانيون على الرئيس المنتخب مكاريوس، بأمر من أثينا؛ بهدف ضم الجزيرة إلى اليونان، وهنا بدأ تقسيم الجزيرة المتوسطية إلى شطرين: قبرص يونانية في الشمال، وأخرى تركية في الجنوب. وفي 15 نوفمبر عام 1983 تم الإعلان عن إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية، لكنها لم تحظَ باعتراف دولي سوى من تركيا، بينما تحظى قبرص اليونانية باعتراف المجتمع الدولي بأجمعه، كما أنها عضو في الاتحاد الأوروبي، وتنشر تركيا نحو 35 ألف جندي في "جمهورية شمال قبرص التركية" ويفصل بين الشطرين منطقة عازلة منزوعة السلاح، تسيطر عليها قوات حفظ السلام الدولية، وفي عام 2004 رفض القبارصة الروم خطة قدمتها الأممالمتحدة لتوحيد شطري الجزيرة، فيما تطالب نيقوسيا المدعومة من اليونان بجدول زمني واضح لانسحاب تدريجي للقوات التركية، لكن أنقرة رفضت ذلك. في مايو 2015 انطلقت الجولة الأولى من عملية دبلوماسية بين رئيس جمهورية قبرص، نيكوس أناستاسيادس، ونظيره في جمهورية شمال قبرص التركية المعلنة من جانب واحد، مصطفى أكينجي، ورغم أنها كانت بطيئة بسبب حملة الانتخابات التشريعية في الجانب اليوناني من الجزيرة، إلا أنها بعثت الآمال في توصل المفاوضات، برعاية الأممالمتحدة ودعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى اتفاق سلام، لكن هذه الجولة من المفاوضات أثبتت فشلها الذريع، وانتهت دون التوصل إلى أي حل سياسي، لتبدأ الجولة الثانية في 28 يونيو الماضي بدعم من الأممالمتحدة، لكنها ما لبثت أن لاقت نفس المصير. الأزمة القبرصية فاقمت الندية بين تركيا واليونان، حيث استغلت قبرص اليونانية اعتراف المجتمع الدولي بها وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لتقف عقبة رئيسية أمام محاولات تركيا الحثيثة الانضمام للاتحاد، حيث هددت قبرص اليونانية في مارس 2016 قبل عقد القمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بعرقلة مشروع الاتفاق بين الدول ال28 وأنقرة الهادف إلى وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وقال الرئيس القبرصي حينها إن بلاده لا تعتزم الموافقة على مشروع الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حول الهجرة، في ظل غياب تنازلات من تركيا تجاه الجزيرة، وأضاف أن قبرص لا تعتزم الموافقة على فتح فصول جديدة في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ما لم تحترم تركيا التزاماتها.