لا تزال طائفة الإيجور المسلمة تواجه العديد من العقبات والتحديات في طريق ممارسة حياة كريمة والعيش بسلام في مختلف دول العالم، فالاضطهادات الدينية التي تشهدها هذه الطائفة تتفاقم يومًا بعد يوم، فضلاً عن استغلالها من قبل بعض الدول كورقة ضغط سياسية وسلاح لكيد أعدائها، الأمر الذي يدفع إلى تسليط الأضواء على هذه الطائفة وطبيعة عقائدها وأسباب اضطهادها. ما هي طائفة الإيجور؟ الإيجور في الأصل تعنى الاتحاد والتضامن باللغة الإيجورية، وهي شعوب تركية مسلمة، تتحدث اللغه التركية وتكتب الحروف بالعربية، وكان هذا الاسم يطلق على أحد الشعوب التركية التي تعيش اليوم في منغوليا، حيث كان الإيجوريون مع الجوك تركيين أقوى وأكبر القبائل التركية التي تعيش في آسيا الوسطى، وعاشت القبيلة موحدة في حكم اتحادي يعرف باسم "الروران" منذ عام 460 إلى 565، وكان الإيجور قبل القرن العاشر الميلادي يعتنقون عددًا من الديانات على غرار البوذية والمسيحية والزرادشتية، لكنهم قرروا أن يعتنقوا الإسلام بعد ذلك. يشكل الإيجوريون حاليًّا واحدة من 56 عرقية في جمهورية الصين الشعبية، ويتركزون في منطقة شينجيانج ذات الحكم الذاتي، الواقعة في أقصى غرب الصين، في منطقة كانت موطنًا لجمهورية تركستان الشرقية المدعومة من الاتحاد السوفييتي، والتي تقع على مساحة تعادل سدس مساحة الصين، إضافة إلى أنهم يتواجدون في بعض مناطق جنوب وسط الصين، وقد شكلت نسبة الإيجور في عام 2010 حوالي 46.4 % من سكان المنطقة، فيما يقدر عددهم بحوالي 20 مليون شخص في الصين، لكن السنوات الأخيرة شهدت نزوحًا مستمرًّا لهذه الأقلية إلى تركيا بسبب الاضطهاد الديني الذي تتعرض له في بكين، حيث بدأت هذه الأقلية في الانتقال من المنطقة بأعداد كبيرة على مدى العقد الماضي، وتتوزع باقي أقلية الإيجور بين كازاخستان ومنغوليا وتركيا وأفغانستان وباكستان وألمانيا وإندونيسيا وأستراليا وتايوان والسعودية. العلاقات مع الصين شهدت أقلية الإيجور اضطهادًا وتضييقًا دينيًّا وسياسيًّا في الصين منذ عقود طويلة، حيث تمكن الإيجور من إقامة دولة تركستان الشرقية التي ظلت صامدة على مدى نحو عشرة قرون، قبل أن تنهار أمام الغزو الصيني 1759 و1876، قبل أن تلحق نهائيًّا في عام 1950 بالصين الشيوعية، وطوال هذه المدة قام الإيجور بعدة ثورات، نجحت في بعض الأحيان في إقامة دولة مستقلة على غرار ثورتي 1933 و1944، لكن سرعان ما انهاروا أمام الصينيين الذين أخضعوا الإقليم في النهاية لسيطرتهم، ودفعوا إليه بعرق "الهان" الذي أوشك أن يصبح أغلبية على حساب الإيجور السكان الأصليين. منذ سنوات اشتدت حدة الاضطهاد السياسي والديني لهذه الأقلية، ففي عام 2007 قررت الصين نقل مائة ألف فتاة إيجورية تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة، وتوزيعهن على مناطق مختلفة خارج شنجيانج، وذلك دون أن تعلم أسرهن شيئًا عن مصيرهن، وكان لذلك أثر كبير في ارتفاع نسبة الاحتقان ومضاعفة مخزون الغضب بينهم، كما أن الحكومة الصينية تعمدت أن تعزز من وجود أقلية "الهان" في تركستان الشرقية، وأصبحوا يشغلون نسبًا كبيرة من الوظائف الحكومية للدولة على حساب الإيجور، أضف إلى ذلك أن السلطات الصينية تجبر الإيجور على تحديد النسل لوقف عملية النمو السكاني لديهم، فيما تسمح للصينيين الموجودين في مناطق الإيجور بإنجاب المزيد من الأطفال، في محاولة لعدم تمكين الإيجور من أن يكونوا أغلبية مسلمة في الصين. وفي الجانب السياسي رصد العديد من التقارير تعاون الصين مع الدول التي يقطنها الإيجور مثل باكستان وكزاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان، لمنع الإيجور من القيام بأنشطة سياسية على أراضي هذه الدول، كما تطالب تلك الدول بتسليم كل النشطاء السياسيين من الإيجور الذين يعملون فيها. يبرر البعض هذا الاضطهاد الصيني لهذه الأقلية المسلمة بأن بكين تتخوف من تنامي نشاط الحركات الإسلامية، خاصة أن الإيجور لديهم طموحات انفصالية، بسبب ما يتعرضون له من اضطهاد تحت الحكم الصيني، وهو السبب الذي دفع الصين قبل عدة سنوات إلى تشكل منظمة شنجهاي للتعاون من أجل التنسيق في المعلومات الأمنية بين الدول الأعضاء، وهي الصينوروسيا وقرغيزيا وأوزبكستان وطاجيكستان وكزاخستان، خاصة فيما يخص أنشطة الإيجور خارج الصين. الاستغلال التركي الاضطهاد الذي تعرض له الإيجور على مدار العقود الماضية دفعهم إلى النزوح إلى عدة دول، وعلى رأسها تركيا، التي كعادتها استغلت أزمة هذه الأقلية لخدمة مصالحها السياسية، حيث يقدر عدد الإيجور الذين وصلوا إلى تركيا في عام 2014 بسبعة آلاف شخص، وهو ما أثار أزمة بين الصينوتركيا، وانتقد مسؤولون صينيون ما اعتبروه "انفتاحًا تركيًّا" تجاه اللاجئين الإيجور، واتهموا السلطات التركية بالتغاضي عن حركة الإيجور الانفصالية، وتوفير ملاذ آمن لما أسموهم "المتطرفين المسلمين". أفاد تقارير استخباراتية بأن تركيا تحاول استغلال الإيجور للعبث بديموجرافية سوريا، خاصة في الشمال على حساب الأكراد، الذين تعتبرهم أنقرة عناصر إرهابية، حيث تستجلب أنقرة أو على الأقل تساهم وتغض النظر عن دخول الإيجور إلى سوريا، حتى استوطن نحو خمسة عشرة ألفًا من هذه الطائفة مع عائلاتهم في قرى سورية قريبة من الحدود مع تركيا، وأغلب هذه القرى تقع في محيط جسر الشغور الذي يبعد نحو 400 كيلو متر شمال دمشق. من ناحية أخرى استغلت أنقرة الإيجور في ابتزاز الدول المحيطة بها، حيث عملت على دعم وإنشاء أذرع إرهابية تعمل لحسابها لابتزاز حكومات العديد من البلدان الشرقية الصغيرة والكبيرة، مثل روسيا عبر دعم الحركات الإرهابية الشيشانية، والصين عبر دعم أقلية الإيجور التي تطالب بالاستقلال عن الحكومة المركزية الصينية، أضف إلى ذلك أن صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية كشفت في إبريل الماضي معلومات عن تقرير أعده مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، يفيد بوجود "3 آلاف إرهابي صيني من الإيجور يقاتلون في سوريا إلى جانب التنظيمات الإرهابية، ولا سيما جبهة النصرة وداعش والحزب الإسلامي التركستاني"، وأكد التقرير أن الصين بصدد تعزيز التعاون العسكري والأمني مع سوريا لقتال الجماعات التكفيرية، وتحديدًا المقاتلين ذوي الأصول الصينية، الذين تعتبرهم بكين خطرًا مستقبليًّا عليها.