يمكن حل الأزمة الخليجية التي اندلعت بين السعودية والإماراتوقطر على المدى القصير، أما على المدى البعيد فمن غير المرجح حلها، ربما قد تجلب الوساطتان الأمريكية والكويتية بعض الحلول التوافقية، حيث يقبل القطريون ببعض المطالب الثلاثة عشر التي قدمها السعوديون والإماراتيون، ولكن الاختلافات الجوهرية بين الجانبين لن تكون سهلة. يرى البعض هذه الأزمة الإقليمية في الشرق الأوسط من خلال العدسة الطائفية، لمجرد دفاع إيران عن قطر، ولكن الصراع الحقيقي بين الخليجيين لا يتعلق بإيران، ولكن بالفهم المختلف للإسلام السياسي بين القوى الخليجية في الشرق الأوسط، ليشمل هذا الصراع أيضًا تركيا ومصر. هناك عجز في دول الشرق الأوسط لتشكيل تحالف فعال، ينبع من الاختلافات العميقة فيما بينها حول طبيعة التهديدات التي تواجهها، "قطروتركيا" و"الإمارات ومصر" و"السعودية" يشكلون ثلاث مجموعات، كل منها تمثل مواقف مختلفة في المنطقة، وأزمة قطر ليست سوى أحدث وأوضح مظاهر هذا الصراع بينهم. قطر وجماعة الإخوان راهنت قطر على ظهور جماعة الإخوان في أنحاء العالم العربي، وذلك قبل فترة طويلة من الربيع العربي، فقد وفرت لهم الدعم، وأصبحت ملاذًا آمنًا لهم. على سبيل المثال احتضنت المنفيين، مثل الشيخ المصري يوسف القرضاوي، وزعيم حركة حماس خالد مشعل، وجعلت قناة الجزيرة منبرًا لهم. بعد الربيع العربي حين رأى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نجاح الإخوان، انضم إلى كتلة تحالفات الإخوان، وأصبح على رأسها، وتصور أن سوريا بعد سقوط حكم "الأسد" ستحكمها كتلة الإخوان، وهذا هو السبب في أن أردوغان كان أول زعيم إقليمي يدعو الرئيس السوري للتنحي. الدور الديني السعودي تمثل السعودية المذهب السلفي، والمعروف باسم الوهابية منذ زمن، وتعد المؤسسة الدينية السلفية شريكًا في الحكم، وتدعم الحكام السعوديين. أصبح علماء الدين السعوديون بيروقراطيين، يكرهون غير المسلمين، ويسعون لنشر تفاسير الدين المتشددة في أنحاء العالم الإسلامي، فهم يفعلون ذلك في مقابل دعمهم للنظام الملكي الذي يوفر لهم الحماية أيضًا، كما يأمرون الشعب بوجوب طاعة الحكام، وهذا يمثل نوعًا من الإسلام السياسي، ولكن من أعلى إلى أسفل، وليس من أسفل إلى أعلى. الإسلام السياسي من أعلى إلى أسفل داخل الحدود تمثل الإمارات والسعودية معًا اتجاهًا ثالثًا في الإسلام السياسي، فالإسلام في الإمارات مرتبط بسلطة الدولة، ويخضع لها، وخلافًا للسعودية ليس لدى المواطنين الإماراتيين طموح لنشر الإسلام خارج حدودهم، بل وعارضوا ظهور الجماعات الإسلامية في مصر وليبيا وأماكن أخرى. انضمت مصر، أحد مراكز السياسة العربية، إلى الإمارات والسعودية، ولكن نظرًا لمشاكلها الاقتصادية والسياسية المحلية، حكمها أكثر من رئيس، ولكن بالتأكيد لدى الأزهر طموحات تتجاوز حدود مصر، إلا أنه ليس لديه القدرة المالية على تحدي المؤسسات السعودية الممولة للإسلام السلفي العالمي. من المثير للاهتمام ملاحظة اقتراب دولة الإمارات من الأزهر وتقديم المبادرات له، فربما تسعى لتمويله تحديًا للسلفية والإخوان. الصراعات الأيديولوجية داخل المنطقة تمثل داعش وتنظيم القاعدة الإسلام السلفي، مما يجعل الصراعات داخل العالم العربي محفوفة بالمخاطر، فهما يتقاسمان تفسير الوهابية مع السعودية، ولكنهما يكرهان الحكام السعوديين. القاعدة وداعش حركتان إسلاميتان من الأسفل إلى الأعلى، ولكنهما يرفضان المسار الانتخابي الذي يتبعه حزب أردوغان وجماعة الإخوان، وقد هاجما كلًّا من الأنظمة السعودية والتركية والمصرية في العديد من المناسبات. لا يمكن للدول الإسلامية السابقة التعاون، لأنها ترى بعضها بعضًا تهديدًا محتملاً، فيرى المصريون والإماراتيون أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل خطرًا داخليًّا كبيرًا، وبالتالي يرون قطروتركيا حلفاء أعدائهم المحليين. ولهذا السبب تصر القاهرة وأبو ظبي على أن تغلق قطر قناة الجزيرة، كما يشعر السعوديون بالقلق من أن قطر، التي تشارك رسميًّا السعودية في الوهابية السلفية، يمكن أن تلعب في سياستها الداخلية الخاصة، وتعبئ المعارضة لنظامها. لا ترغب مصر في اتباع السعودية ورغبتها في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تخشى القاهرة من وصول جماعات مثل الإخوان إلى الحكم. لدى السعودية علاقات تاريخية مع الإخوان، ولكنها ابتعدت عنهم مؤخرًا، وترى الإسلام السياسي الانتخابي تهديدًا محليًّا. تشعر تركيا بالقلق من الضغط على قطر، وتخشى من نجاحه؛ لأنه قد يقود إلى ضغط إقليمي عليها، كما أن ما يحدث في اليمن لا تشارك فيه تركيا، وربما يقف عكس رغبتها، في حين أن السعوديين يدخلون هذه الحرب بثقلهم. من غير المحتمل أن يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الدول موحدة ضد الإرهاب، حيث إن كلًّا منها تتبنى وجهة نظر متباينة حول العلاقة بين الإسلام والسياسة. المقال الأصلى : اضغط هنا