أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه أطلق يوم الأحد الماضي صواريخ أرض – أرض من غرب إيران على مواقع لجماعات متشددة في محافظة دير الزور شرق سوريا، مؤكدًا أن هذه الضربة جاءت ردًّا على هجومي طهران الأخيرين، وأكدت السلطات العراقية أن الضربات الصاروخية التي شنتها إيران ضد مواقع لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا نفذت بالتنسيق مع الغرفة الرباعية لتبادل المعلومات الاستخباراتية. وانطلقت الصواريخ من القواعد العسكرية في محافظتي كردستان وكرمنشاه في إيران، إذ تم إطلاق ستة صواريخ متوسطة المدى يبلغ مداها 700 كيلو متر من طراز قيام وذو الفقار، وقد مرت عبر الأجواء العراقية وأصابت بدقة متناهية المواقع الموجهة نحوها، حسب ما أشارت مصادر مطلعة في الحرس الثوري. وأعلن بيان للحرس الثوري الإيراني أن قواته استهدفت مقر قيادة ومركز تجمع وإسناد وقسم تفخيخ السيارات للإرهابيين التكفيريين في منطقة دير الزور بشرق سوريا بهدف معاقبة الإرهابيين المجرمين، وأدى الهجوم الصاروخي إلى مقتل عشرات من تنظيم داعش بينهم مقاتلين ليبيين. رسائل وأهداف عادة ما يتعلق النجاح في العمل العسكري بالأهداف التي وضعت لتلك العمليات، فإذا ما وصلت لأهدافها تكون قد حققت أهدافها. وتتنوع الأهداف الإيرانية من وراء استهداف تنظيم داعش الإرهابي بالصواريخ البالسيتية، فمن حيث البدء هذه الصواريخ استهدفت مواقع في سوريا ردًّا على عمليات إرهابية وقعت في إيران من قِبَل داعش، ويعود هذا إلى سبب بسيط، فالمجموعات التي ألقي القبض عليها في إيران والمرتبطة بداعش، اعترفت على أن جزءًا كبيرًا منها في سوريا يقاتل مع داعش تلقى تدريباته وتوجيهاته منها، وأنه تم إرسالها من هناك إلى طهران لتنفيذ هذه العمليات، وحتى عمليات أخرى خارج طهران، لكن لم تنجح في الوصول إليها، وبذلك تكون طهران قد بررت سبب استهدافها لداعش بمنطقة دير الزور. أما لماذا اختارت طهران السلاح البالسيتي، رغم وجود قوات لحزب الله وقوات رديفة للجيش السوري ومستشارين إيرانيين في سوريا، حيث كان من الممكن أن يوجهوا الضربات بصواريخ قصيرة المدى وذات قدرة تدميرية أيضًا من داخل الأراضي السورية، وهنا يأتي بُعد آخر من رسائل البالسيتي الإيراني، يتعلق بإرسال رسائل قوية للمحور الأمريكي الذي يتحدث عن عقوبات على إيران مرتبطة بالسلاح الصاروخي الإيراني، وهنا تنتقل إيران من تحدي هذه المواقف التي تريد أن تحد من سيادتها على استعداداتها بأن يكون لها السلاح الدفاعي اللازم، من مجرد إطلاق صواريخ في المناورات والتجارب الصاروخية، إلى إطلاق الصواريخ العملية بالاشتباك، وهنا يأتي التحول الاستراتيجي الكبير بأن صواريخ متوسطة المدى الإيرانية تستخدم لأول مرة بالاشتباك المباشر في الإقليم. بعد آخر في الرسائل الإيرانية عبر البالسيتي، ويأتي من خلال دقة الإصابات، مما يعني أن تلك الصواريخ متقدمة تكنولوجيًّا تصيب أهدافها التي تقع في مداها الحيوي، وبالتالي يمكن أن تطال هذه الصواريخ القواعد الأمريكية والإسرائيلية التي تقع ضمن نطاق ومدى الصواريخ الإيرانية بمنطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي أثار مخاوف الكيان الصهيوني وانعكس في تصريحات قادته، حيث حذر رئيس الوزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، طهران من مغبة توجيه تهديدات إلى إسرائيل، بعد أن أطلقت إيران صواريخها باليستية، وقال نتنياهو، أمس: «نحن نتابع تصرفاتهم وتصريحاتهم، عندي رسالة واحدة لإيران: "لا تهددوا إسرائيل"، وصرح نتنياهو أمام عدد من كبار أعضاء حزب الليكود الذي يتزعمه: "جيشنا وقواتنا الأمنية تراقب باستمرار نشاطات إيران في المنطقة». وأضاف: «إن هذا النشاط يشمل كذلك محاولاتهم (الإيرانيين) لترسيخ وجودهم في سوريا، وبالطبع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله، وغير ذلك من العمليات»، ويؤكد رئيس الوزراء الصهيوني على الدوام «أن إيران تشكل تهديدًا لإسرائيل والشرق الأوسط وربما العالم كله»، وقالت صحيفة أيديعوت أحرنونت العبرية: «في حال أصابت هذه الصواريخ أهدافها فعلًا من مسافة أكثر من 600 كم، فإن هذا الأمر يظهر عمليًّا أن لدى إيران خيارات إضافية للتعامل مع إسرائيل». وتعتبر الصواريخ الباليستية الإيرانية التي يصل مداها إلى ألفين كم، نقطة توتر رئيسة بين طهران وكل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، كما أن دقة الإصابات لها هدف على المستوى المحلي في إيران، حيث يقول المختص في القانون الدولي، قتيبة الصالح: طهران أعلنت مرارًا وتكرارًا عن نجاح تجارب لصواريخ بعيدة المدى ومتوسّطة ودقيقة الإصابة، لكن العالم لم يشهد فعالية هذه الصواريخ، وبقيت المعلومات الدقيقة حولها حبيسة أجهزة الأمن الإيرانية، وحبيسة أجهزة الأمن الغربية والإسرائيلية التي تتابع بدقة تجارب إيران الصاروخية؛ ولأن المواطن العادي لم يلمس واقعًا عمليًّا لتلك الصواريخ، بدأ يشكك بوجودها ويقارن بين الإعلانات الإيرانية وإعلانات الأنظمة العربية التي كانت تتم عبر السنوات والتي ثبت أنها كاذبة، لم يعد المواطن العادي يصدق ما تقوله إيران، وبعد نجاح الضربة العسكرية الإيرانية لدير الزور ارتفعت ثقة المواطن الإيراني في نفسه وفي حكومته. كما أن هناك هدفًا آخر يتمثل في انتقال طهران من القول، إنها تشارك في الحرب السورية من خلال مستشاريها، إلى مرحلة أقصى، ففي أي عملية تصعيد في المستقبل، فإن إيران مستعدة للانخراط الاستراتيجي في هذا الصراع؛ لأنها تدخلت بالأمس من خلال قواعدها العسكرية في إيران ضد أعدائها في الإقليم، وهذا الهدف قد يكون من أهم الأهداف، فهو يعطي إنذارًا كبيرًا يشبه ما قامت به موسكو عندما أطلقت صواريخها من بحر قزوين إلى سوريا، وكانت بكل بساطة يمكن أن تستخدم مقاتلات السوخوي لضرب هذه الأهداف، ولكنها كانت تريد أن ترسل رسالة مفادها أن كل الثقل الاستراتيجي الروسي هو منخرط في الصراع في سوريا وليس فقط القوات الروسية المتواجدة في قاعدة حميميم العسكرية في سوريا، وإيران اليوم ترسل نفس هذه الرسالة أن جيشها وحرسها الثوري وقواتها الصاروخية وكل إمكاناتها منخرطة في هذا الصراع، ولن تتوقف إيران عند أي عقوبات أمريكية تفرضها واشنطن على طهران جراء تجاربها الصاروخية، علمًا بأن الاتفاق النووي الإيراني لا يحظر على إيران تطوير أو استخدام الصواريخ البالستية، طالما أنها لا تحمل رؤوس نووية. وتتعرّض إيران لتهديد في الآونة الأخيرة من السعودية التي صرحت بضرورة نقل الحرب إلى الداخل الإيراني، الأمر الذي حصل من خلال التفجيرات الأخيرة في طهران، ومن الولاياتالمتحدة وإسرائيل اللتين تعملان على تكوين تحالف مع بعض عرب الخليج ضد إيران، حيث تعمل أمريكا بكل قوة على رفع مستوى تسابق التسلح في المنطقة، والهدف كان واضحًا في مؤتمر الرياض، وهو مواجهة ما أسماه بالإرهاب الإيراني، وهذا التجمّع العربي الصهيوني الأمريكي لا يخفي عداءه لقوى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان، وإمكان قيامه بأعمال تلحق كل الضرر بحماس والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية وحزب الله، والضربة الصاروخية الإيرانية لدير الزور توجه رساله واضحة لكل لدول الناتو الإسلامي الصهيوأمريكي أن المواجهة معها ليست بالأمر السهل.