مُذ أن بدأت "التسريبات" الاعلامية حول موضوع اللقاءات بين وفديّ حركة حماس برئاسة السنوار وبين قيادة تيار دحلان في القاهرة، العديد من التساؤلات غزت الشارع، والجميع بات يترقب عن كثب ما ستحمله هذه التفاهمات من تغييراتٍ على الأرض، فهل ستكون تفاهمات جادة، أم مجرّد هرطقات اعلامية كمن سبقوها، وهل محمد دحلان مخوّل أصلاً بالتفاهم مع حماس؟ وإن حصلت هناك تفاهمات، فهل نتيجتها ستكون مصلحة وطنية، أم ستقتصر على مصلحة معيشية بتخفيف ضنك الحياة على مواطني القطاع وبالتالي تعزيز صمود حماس أكثر أمام أزمة الكهرباء والمعابر وغيره، وضرب بعرض الحائط لكافة ضغوطات أبو مازن الهادفة لإعادة غزة إلى جناحه، وإتمام المصالحة الوطنية ؟ المنطق يقول بأن أبو مازن هو المخول الوحيد بإبرام التفاهمات مع حركة حماس، بحكم أنه رئيس منظمة التحرير الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني أمام مصر، وأمام المجتمع الدولي، وبحكم أنه رئيس السلطة الوطنية وحركة فتح، و أنه الطرف الثاني في الإنقسام والذي يملك مفاتيح الحل، سواءً رواتب او كهرباء او أدوية أو علاج بالخارج وإلى آخره من أوراق القوة والحياة التي يمتلكها أبو مازن على حماس و سكان قطاع غزة، وفي نفس الوقت، لا يمكن للدولة المصرية ان تبرم أي تفاهمات بمعزل عن الرئيس، ولكن دخول الإمارات كسند وظهر لدحلان، هل يمكن أن يغيّر قواعد اللعبة ؟ ليس هناك قواعد ثابتة بالسياسة، فطالما هناك مصالح وهناك سياسات عليا تتحكّم فهناك تغييرات يمكن أن تجري في أي وقت، خاصة وأن تلك السياسات بدأت برسم ملامح جديدة لقضيّتنا الفلسطينية، كان أولها بإعطاء الضوء الأخضر لأبو مازن للقيام بإجراءاته الأخيرة، ومن ثم الضغط على قطر من اجل الانسحاب من المشهد الفلسطيني والكفّ عن دعم حركة حماس، وها نحن نشاهد دخول الإمارات إلى اللعبة، برجُلها دحلان. وكأن قطر انسحبت من هنا، وأتت مكانها الإمارات مباشرة، وجميعنا لاحظنا التقرير المريب الذي نشرته قناة الجزيرة القطرية عن تورّط عنصرين من تيار دحلان في اغتيال المبحوح القيادي في حركة حماس، لماذا الآن يا جزيرة؟ وكأنها تقول على العلن، لا أريد لهذا المشروع أن يمرّ، ولا أريد للإمارات أن تحل مكان قطر! ودور دحلان لا أعتقده سيكون بديلاً كاملاً عن السلطة، ولكن هو تخفيف وتنفيس من بالون كبير انتفخ وذاق المرار طيلة عشرة سنوات، وذلك بتمرير قليل من الكهرباء، مع يومين معابر، مع إنعاش البلد قليلاً، تماماً كما فعلت قطر طيلة سنوات، والمقابل تصدر دحلان للمشهد السياسي في غزة، وبذلك لن تلتفت حماس لأبو مازن ولا لضغوطه، ولكن ماذا لو قام أبو مازن بعدها بخطوات تصعيدية أكثر، من شأنها أن تؤدي الى انفصال كامل، هل يمكن لدحلان أن "يشيل الليلة" ! بتّ أخشى أن أبو مازن بإجراءاته الأخيرة لن يُعيد غزة إلى حضنه، بل هو سيطلقّها تماماً، ودخول دحلان هكذا على المشهد يجعل الأمر مريباً وداعياً للقلق، في ظل التحالف المصري الاماراتي السعودي البحريني ضد قطر، وفي نفس الوقت الامارات تدعم دحلان لدعم صمود حماس، والراعي مصري ! هذا التصوّر ستفنّده الأيام القادمة، فإن كان فعلياً هناك خطوات عملية على الارض، فهذا السيناريو مقترحاً وسيبدوا اكثر وضوحاً، ولكن من جانب وطني، هل دخول دحلان وعزل أبو مازن، يشكل أي مصلحة وطنية ؟ بلا شك أن حماس وابو مازن ودحلان جميعهم فلسطينيون، وتصالحهم هو مطلب وطني لكل فلسطيني، ولكنني أتحدث عن شقيّ وطن، عن ضفة غربية تحت مظلة الرئيس والسلطة، وعن قطاع غزة تحت مظلة حماس، فطبيعي وبديهي أن تكون المصلحة الوطنية هي المصالحة الشاملة بين حماس وابو مازن، وليس بين حماس ودحلان، وإن كانت أيضاً عنصراً ضرورياً. الملاحظ لرأي الشارع يشاهد عن كثب رأي المواطن، الغالبية هنا تقول لو أتى التتار وبيده مفاتيح الحياة، جميعنا سوف نهتف له، الناس لم تعد تفكر بأيّ بعدٍ وطني، ولا أي خطورة على القضية، بقدر ما يفكرون بالكهرباء والمعابر والطعام ! هل نجح الإحتلال بتغييب مفاهمينا الوطنية، و طوّع حاجاتنا الإنسانية لصالحه؟ سؤال يثير انزعاجي، لأنني أرى إجابته يومياً في التاكسي وفي الشارع وعبر الفيس بوك. الغباء السياسي الذي عانته غزة هو من أوصل سكانها لهذه المرحلة، والجوع والفقر والظلام صاروا في صدارة عقول الكثيرين، فماذا ينتظر غزة ؟ كما ذكرت في مقالٍ سابق، هذا العام هو انتهاءً لحقبة زمنية رمادية لم يكن خلالها ممكناً رؤية المشهد السياسي أو معرفة وجهته، وهي مرحلة مخاض، لعقد زمنيّ غابر، ذاق فيه الغزيون أمرّ أيام حياتهم، بعدها ستكون هناك ملامحاً جديدة للقضية ولممثليها، وهذا ما ستحمله وستبيّنه أكثر الأيام القليلة القادمة.