تقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلف العواصف التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، نتيجة استخدام استراتيجية الحرب الباردة التي اتبعها الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين من قبل. يعتقد ليون هدار، كاتب في مجلة سبيكتاتور، أن هذا النهج أكثر منطقية من جهود الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، في التحول الإقليمي العسكري، أو جهود باراك أوباما لاحتواء الربيع العربي. ويؤكد هاردر أن ترامب قرر أن يتعامل مع الشرق الأوسط بمشاكله كما هو؛ يتعامل مع الديكتاتوريين والمستبدين، كما كان الحال في الحرب الباردة، وكانت هذه الاستراتيجية جيدة من أجل الحفاظ على التواصل الأمريكي بين الغرب والشرق الأوسط واحتواء التوسع السوفياتي. يرى ترامب أن الدعم الأمريكي القوي لشركائه الخليجيين وإسرائيل سيعيد استقرار الأوضاع واحتواء التطرف الإسلامي، كما يثني هاردرعلى رفض ترامب لعملية السلام التي تنطوي على التسلط الإسرائيلي، ويعتقد أن العرب المعتدلين يمكنهم إقناع الفلسطينيين باتباع الطريق نحو التعايش مع إسرائيل، ما سيؤدي في النهاية إلى اتفاق سلام، ويؤكد أنه بعودة الاستراتيجية الأمريكية القديمة، سوف ينجح ترامب من حيث فشل أسلافه كافة. خلال الحرب الباردة، دعمت الولاياتالمتحدة عددا من دول الشرق الأوسط كجزء من استراتيجية الاحتواء، لكن أيضا لأن واشنطن تريد منع الاتحاد السوفيتي من السيطرة على إمدادات الطاقة التي تعتمد عليها الاقتصادات الصناعية في الغرب، حيث احتوت مصر والعراق وسوريا، ودعمت شاه إيران وإسرائيل والسعودية وأخيرا مصر بعد أن تخلت عن موسكو وأعادت ترتيب أوراقها في السبعينات. حين سقط الشاه في عام 1979، أطلقت الولاياتالمتحدة قوة الانتشار السريع من أجل إبعاد السوفيت عن السيطرة على الخليج العربي، ومنذ ذلك الحين، تعمل واشنطن على اللعب في هذه المنطقة لعدم انتشار القوة الإيرانية، والدليل الحرب العراقيةالإيرانية ثم إرسال قوات الدفاع عن الديمقراطية لإخراج العراق من الكويت في عام 1991. ليس هناك هيمنة محتملة في الشرق الأوسط اليوم، وحتى الآن لا يوجد "منافس نظير" مثل الاتحاد السوفياتي السابق الذي قد يسيطر على المنطقة، ومن ثم فلا حاجة للولايات المتحدة أن تضاعف من التزاماتها الحالية تجاه أي بلد في الشرق الأوسط. لا يستحق أي من الشرکاء الحاليين لأمريکا الدعم غير المشروط علي أساس استراتيجي أو أخلاقي؛ فمصر دولة دكتاتورية عسکرية وحشية ذات اقتصاد فاشل وقيمة استراتيجية متواضعة، والمملكة العربية السعودية هي ثيوقراطية أصولية، وتساعد على تدمير اليمن وسوريا، وتشارك في مشروع إصلاح اقتصادي ضخم قد يفشل ويتحول لكارثة، وتسير إسرائيل نحو اليمين حيث الفصل العنصري الكامل، وتركيا التي تسخر من الديمقراطية تحولت من اتباع سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" لمشاكل مع كل منهم تقريبا. تم إغواء ترامب بسهولة خاصة من قبل من يلبون غروره وهو ما فعله السعوديون بوضوح، لكن الحقيقة أن تعظيم "الأنا" للرئيس لا يتناسب مع المصالح الوطنية للولايات المتحدة، إن الشرق الأوسط منقسم اليوم كما لم يحدث من قبل، ما يعني سهولة تحقيق الهدف الأمريكي، وبالتالي على الولاياتالمتحدة الوصول مباشرة إلى إيران، بدلا من اتخاذ تل أبيب كوسيط أو القاهرة، الرياض وأنقرة. وكتب إميل نخلة، مدير برنامج التحليل السياسي للإسلام السياسي التابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مؤخرا: الانغماس في الخلاف الطائفي الدائم في الإسلام أو بين السعودية وإيران، غير متناسب مع الأمن القومي الأمريكي، والمصالح في العالم الاسلامي على المدى البعيد. ومن شأن اتباع نهج أكثر توازنا في المنطقة أن يشجع جميع الدول في المنطقة على بذل المزيد من الجهود لكسب الولاياتالمتحدة، إذا فهم السعوديون والإسرائيليون والمصريون والأتراك أن الولاياتالمتحدة كانت تتحدث بانتظام مع إيران وأن العلاقات الوثيقة مع طهران كانت خيارا حقيقيا، فسيتعين عليهم التفكير بجدية حول ما يمكنهم القيام به للبقاء في النعيم الأمريكي. فكرة أن إمكانية السعودية وغيرها من العرب المعتدلين أن يقنعوا الفلسطينيين بالتخلي عن تطلعاتهم الوطنية وتحقيق السلام مع إسرائيل، هي واحدة من تلك الأوهام الدائمة التي عرقلت دبلوماسية الولاياتالمتحدة لعقود. اللغة الوحيدة التي يفهمها العرب هي فرض التسوية في إسرائيل وفلسطين، كما أن العقبة الرئيسية أمام السلام ليست التعنت الفلسطيني ولكن اللامبالاة في إسرائيل، لن يوجد أي حافز حقيقي لدى إسرائيل لإحلال السلام طالما استمرت الولاياتالمتحدة في تقديم الدعم للاحتلال وحمايته. يبدو أن ترامب لا يهتم بما سبق، وأصبحت حماقة نهجه واضحة بشكل كبير، خاصة بعدما قطعت السعودية ومصر والإمارات علاقتها مع قطر، حيث استمر احتفال ترامب بالرياض، مما يوضح هشاشة سياسة الولاياتالمتحدة مع حلفائها. الانغماس في الخلاف السعودي القطري قد يعرض الولاياتالمتحدة لخطر عدم قدرتها على الوصول إلى قاعدتها الجوية في الدوحة، وما يزيد الأمور سوءا أن وزارة الخارجية تفتقد أيضا إلى الحكمة ولا تحاول إصلاح الصدع بين شركائها. رد ترامب على الهجوم الإرهابي الأخير في طهران كان غير حساس ومضلل استراتيجيا، ورغم أن وزارة الخارجية قدمت بيانا صادقا يعبر عن أسفها للحادث، إلا أن استجابة البيت الأبيض (المتأخرة) لم تقدم إلا تعاطفا معقدا. على النقيض، بعدما حدث في 11 سبتمبر 2001، تحدث الرئيس الإيراني، محمد خاتمي، ليقدم تعازيه للضحايا، وأعرب عن أسفه للشعب الأمريكي، واصفا الهجوم بالكارثة وأبشع أنواع الإرهاب، ركز كلينتون وبوش وأوباما على طرق فريدة من نوعها للتدخل في الشرق الأوسط، حيث نهج كلينتون المزدوج في عملية السلام، واحتلال بوش للعراق، واحتواء أوباما للربيع العربي واعتقاده بأن الطائرات بدون طيار والقوات الخاصة قد تحل الأمور في أماكن أخرى، ولكن ترامب لديه نهجه الخاص ليجعل الشرق الأوسط منطقة أسوأ. المقال الأصلى: اضغط هنا