مع تصاعد الأزمة الخليجية واتساع رقعة الدول التي تنتقد قطر وتقطع العلاقات الدبلوماسية معها، ومع ربط الكثير من المحللين بين زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى السعودية مؤخرًا، وإحكام ولي ولي العهد محمد بن سلمان قبضته على المزيد من السلطات في البلاد، يبرز التساؤل حول دور ولي العهد محمد بن نايف في كل ما يحدث بالمملكة وخارجها، وابتعاده عن المشهد السياسي للمملكة خلال الفترة الأخيرة. انقلاب جديد.. عزل قطر والتودد للإمارات يبدو أن قطر ليست الوحيدة المُعرّضة لانقلاب سياسي خلال الفترة المقبلة، بل إن السعودية باتت أقرب إلى هذا الانقلاب بعد أن تهيأت الأجواء كافة لينقض بن سلمان على سلطة ابن عمه بن نايف، ويعلن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز نجله ملكًا جديدًا للعرش السعودي قريبًا. ذكرت تقارير سابقة أن ولي العهد السعودي، محمد بن نايف، يرى قطر حليفًا أقرب وأوثق للسعودية من الإمارات، بخلاف محمد بن سلمان، الذي يرى أن الإمارات هي الحليف المرن والمتورط مع المملكة في ملفاتها كافة، كما أن مصالح بن سلمان تقاطعت خلال السنوات الأخيرة مع حليفة بن زايد في الإمارات، وفي الوقت ذاته أكدت مصادر قريبة من البيت الخليجي مرارًا أن أكثر جهة خليجية ترتبط بعلاقة وثيقة مع بن نايف هي دولة قطر، وتحديدًا بشخص أميرها تميم بن حمد، خاصة أن بن نايف يضمر في نفسه ضغينة تجاه محمد بن زايد، الذي كان قد شبّه والده الراحل نايف بن عبد العزيز بالقرد. تدفع تلك العلاقات والمصالح نحو ربط الانقلاب السعودي الإماراتي على قطر برغبة بن سلمان، المتمرسة في الاستيلاء على العرش والإجهاز على بن نايف، فيبدو أن بن سلمان قد أدرك مؤخرًا أن الوصول إلى العرش يتطلب في البداية إنهاء أي تأثير قطري في الساحة الخليجية وعلى مستوى الإقليم، حتى لا تصطدم المملكة بأي معارضة خليجية في حال الانقلاب على بن نايف وإعلان بن سلمان ولي العهد الجديد، وبالتالي عاهل للمملكة خلفًا لوالده، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن الأزمة مع قطر ليست بسبب دعم الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين، وليست بسبب العلاقات التي تربط الدوحة مع إيران، فالإمارات والكويت وعمان تتمتع بعلاقات اقتصادية وسياسية أكبر بعشرات الأضعاف من قطر، لكن الأزمة تكمن في معركة يخوضها بن سلمان لاعتلاء العرش سريعًا. تهيئة الأجواء عزل قطر ومعاقبتها لم تكن الخطوة الأولى التي أقدم عليها بن سلمان لتعزيز سلطاته في البلاد وتهيئة الأجواء للاستفراد بالحكم، بل سبقها العديد من الخطوات داخليًّا وخارجيًّا، فلم يدع بن سلمان ووالده مجالًا كان يشغله ابن عمه بن نايف داخليًّا إلَّا واقتحمه بطريقة فجة وصارخة، ولم يدع أيًّا من حاشية الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلَّا وأزاحه، وقد ظهر ذلك جليًّا في التعديلات التي أعقبت وفاة عبد الله، حيث كانت البداية مع رئيس الديوان الملكي والساعد الأيمن للملك الراحل خالد التويجري، الذي حل محله محمد بن سلمان ونصبه والده وزيرًا للدفاع، وطرد سلمان شقيقه الأمير مقرن من ولاية العهد، لينصّب ابن شقيقه محمد بن نايف وليًا للعهد، ليقرر الملك فيما بعد إلغاء الديوان الملكي لولي العهد، الأمر الذي جعل محمد بن نايف لا يملك سوى وزارة الداخلية، وخلال المراسم الأخيرة، عيّن الملك شقيق محمد بن سلمان الأصغر خالد سفيرًا لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعيّن شقيقه الآخر عبد العزيز بن سلمان، وزير دولة لشؤون الطاقة، كما صدر الأمر بتعيين فرد آخر من أفراد العائلة القريبين من محمد بن سلمان، وهو ابن أخيه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، نائبًا لحاكم المنطقة الشرقية المعروفة بثرائها النفطي، الأمر الذي جعل هذه التعديلات تأتي في سياق تضييق الخناق على بن نايف وإحكام القبضة على ممتلكات المملكة، وتهميش وإقصاء ولي العهد، والتي جرت على قدم وساق وبطريقة ممنهجة. أما خارجيًّا، فكانت المباركة الأمريكية هي الأهم بالنسبة لبن سلمان، حيث طار ولي ولي العهد سريعًا إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي كان ما لبث أن أكمل شهره الأول رئيسًا للبلاد، حيث التقى ترامب بمحمد بن سلمان في البيت الأبيض في 24 مارس الماضي، ووُصف الاجتماع بأنه كان «نقطة تحول»، وحينها استغل ترامب الفرصة ليعلن أنه «قرر إعادة الروابط مع المملكة بعد أن أهدرها أوباما بسياسته»، وقبل مرور شهر على زيارة بن سلمان إلى واشنطن كان وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، قد رد الزيارة بتوجهه إلى الرياض في 18 أبريل الماضي، حيث التقى بكل من الملك سلمان ونجله محمد، فيما كان بن نايف غائبًا تمامًا عن المشهد، لتأتي القمة العربية الإسلامية الأمريكية، وتؤكد غياب بن نايف عن المشهد نهائيًّا. مجتهد: بن نايف صفر في الأحداث تلك التحليلات تتناسق مع حديث المغرد السعودي الشهير مجتهد عن تداعيات أزمة السعودية والإمارات والبحرين من ناحية مع قطر ومن ناحية أخرى على الخلافات الداخلية الجارية بين آل سعود، حيث قال مجتهد، إن ولي العهد، محمد بن نايف، غير راض نهائيًّا عما جرى بشأن مقاطعه قطر ومعاقبتها بشتى الطرق، إلَّا أنه مشلول وعاجز تمامًا ودوره في الأحداث صفر، وتابع المغرد السعودي الشهير: المباحث السعودية تستلم توجيهات بخصوص ما له علاقة بقطر من الديوان مباشرة، وأضاف «أن كثيرًا من آل سعود منزعجون من القرارات الصبيانية، وقلقون من تداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية، إلَّا أن بن سلمان شايطهم شوط وكلهم صفر على الشمال»، وأردف مجتهد قائلًا: استنتج بن سلمان من قرارات قطر أن بن نايف أضعف من أن يقاوم قرار عزله، وأن العائلة أعجز من أن تعترض، ولهذا لا يستبعد أن يفعلها قريبًا. البيت السعودي.. ترتيبات جديدة كل المعطيات والتحركات السياسية والدبلوماسية السالف ذكرها، تشير إلى أن الصراع المحتدم بين المحمدين، بن سلمان، وبن نايف، اقترب كثيرًا من الحسم لصالح الأول، حيث يحتاج أي أمير سعودي إلى رضا ثلاثة مصادر للقوة حتى يصبح ملكًا، وهي من حيث الأهمية، الولاياتالمتحدةالأمريكية، والعائلة الحاكمة السعودية، والشعب السعودي، وقد حقق بن سلمان بالفعل رضا أول مصدرين للقوة، حيث جاءت المباركة الأمريكية الصهيونية، وتم عزل الدولة الوحيدة التي يمكن أن تعارض هذا الانقلاب، وتم ترتيب البيت السعودي على أساس المؤيدين لبن سلمان، فيما يأتي رضا مصدر القوة الأخيرة «الشعب» في ذيل أي حسابات تذكر، الأمر الذي يدفع إلى القول إنه لم يتبق سوى إعلان ابن الملك، وليًّا للعهد، وبالتالي ملكًا قادمًا.