يعد الشيخ محمد الفيومي حلقة الوصل بين السينما والإذاعة، فقد ذاع صيته في عالم الغناء والإنشاد معًا في بداية الخمسينيات، ليصبح من كبار المبتهلين بالإذاعة، ففي 1954 شارك الشيخ الفيومي بالتواشيح الدينية في فيلم «عزيزة»، وبعدها بعامين شارك أيضًا في فيلم «رصيف نمرة 5». كان الشيخ محمد الفيومي من عمالقة الابتهالات والتواشيح الدينية في القرن الماضي، فقد لُقب ب«شيخ المنشدين»، وهو أيضًا أول أزهري غنى في السينما، وُلد الفيومي عام 1905 بحي الجمالية، فاقدًا للبصر، لكنه تميز بصوته العذب وأذنه المرهفة، فكان ذلك سببًا ليتبوأ منازل الإنشاد الأولى. كان والده يعمل مصححًا لغويًّا للغة العربية بالأزهر الشريف، فتعلم الفيومي بالأزهر، وحفظ القرآن الكريم وتعلم أصول تجويده عن الشيخ حسن الجريسي، ثم احترف قراءة القرآن، وفي ذلك الوقت كانت تستهويه ألحان داود حسني، فحفظ جانبًا كبيرًا منها من أدوار وطقاطيق وموشحات، وأصبح يجمع بين تجويد القرآن والإنشاد الديني والغناء، وفي إحدى حلقات الإنشاد الديني استمع إليه داود حسني، فنصحه بالإنشاد الديني الذي رآه أنسب لصوته، فاستجاب الشيخ الفيومي لتلك النصيحة، وأقبل على الإنشاد مستمعًا إلى أئمة كثيرين، وكان منهم الشيخ علي محمود، الذي استفاد منه في كيفية أداء التراتيل، واستمع أيضًا للشيخين إسماعيل شكر وسيد موسى، فحفظ أعمالهما، وسرعان ما لمع الشيخ الفيومي قارئًا ومنشدًا، واكتسب تقدير كبار القراء والمنشدين، واعتبر الناس الشيخ محمد الفيومي الامتداد الطبيعي للشيخ علي محمود، الذي توفى في ديسمبر 1946 حتى إنه أصبح مؤذنًا لمسجد الإمام الحسين خلفًا للشيخ علي محمود. في عام 1970 كلف الموسيقار عبد الحليم نويرة، مؤسس فرقة الموسيقى العربية، الشيخ محمد بالإشراف على تعليم وتحفيظ كثير من الطلاب الشباب هذا التراث من التواشيح والإنشاد الديني، وبجانب تبحره في علم الإنشاد والمديح الديني كان عالمًا في الأدب والشعر واللغة والثقافة والموسيقي والغناء، والعلوم الدينية وقواعدها، فشارك الشيخ الفيومي في السينما في عصرها الذهبي، وهو أول أزهري يلقي التواشيح والإنشاد الديني في السينما، فاستعان به المخرجون الكبار لتصويره وهو يؤدي إنشاده، كما اشترك الشيخ محمد في فيلم «عزيزة» عام 1954، بطولة فريد شوقي، نعيمة عاكف، عماد حمدي، والفيلم الثاني الذي شارك فيه الشيخ محمد بإنشاده وتواشيحه «رصيف نمره خمسة» إنتاج 1956، بطولة الفنان فريد شوقي، هدى سلطان، زكي رستم، محمود المليجي وإخراج نيازي مصطفى، وظلت حياة المنشد والمبتهل محمد الفيومي محل إعجاب الناس إلى أن رحل عنا عالمنا في 10 أبريل 1988.