زخرت قائمة الصحابة ذوات الدور البارز في بداية عصر النبوة، بأسماء صحابيات كريمات، كان لهن دور مؤثر، على رأسهن خولة بنت ثعلبة، التي ضربت مثالا رائعا للزوجة الوفية، ونزل فيها قرآنا من السماء يتلى إلى اليوم، أيضا، أم حكيم بنت الحارث، صاحبة الدور المميز في موقعة "مرج الصفر" التي استشهد فيها زوجها، فهمت بخلع عمود الخيمة وشدت ملابسها، وحاربت الروم جهادا وثأرا في آن، حتى قتلت سبعة منهم. خولة بنت ثعلبة.. الزوجة البارة ضربت السيدة خولة بنت ثعلبة مثالا رائعا للنساء عامة وللمسلمين منهن خاصة؛ فهي الزوجة الوفية والصحابية المطيعة لأوامر الله ورسوله، وأنزل الله فيها وزوجها قرآنا من السماء "سورة المجادلة". فعن خولة بنت ثعلبة، قالت: فيَّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، فقد كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه، فدخل عليَّ يوما، فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليَّ كظهر أمي، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ فإذا هو يريدني، قلت: كلا.. والذي نفس خولة بيده، لا تخلص إليَّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، فواثبني فامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابًا، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله، فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه. قالت: فجعل رسول الله يقول: "يا خويلة، ابن عمك شيخ كبير، فاتقي الله فيه"، قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيَّ قرآن، فتغشى رسول الله ما كان يتغشاه ثم سري عنه، فقال لي: "يا خويلة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنًا، ثم قرأ عليَّ "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.."، إلي قوله: "وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ". ظهر حسن خلق خولة عندما ردت عن زوجها لعلمها برقة حاله، إذ قال النبي لها :"مريه فليعتق رقبة"، فقالت ما عنده ما يعتق، قال: "فليصم شهرين متتابعين"، قالت: والله إنه لشيخ كبير، ما به من صيام، قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر"، فقالت: ما ذاك عنده، فقال رسول الله: "فإنا سنعينه بعرق من تمر"، فقالت: وأنا سأعينه بعرق آخر، قال: "قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا" قالت: ففعلت. أم حكيم بنت الحارث.. المقاتلة أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية بنت أخي أبي جهل عمرو بن هشام، وأمها فاطمة بنت الوليد أخت خالد بن الوليد، رزقها الله بثلاث زيجات الأول والثاني منهم شهداء في سبيل الله. كانت السيدة أم حكيم مثالا رائعا في وفاء الزوجة وجهاد المرأة، فقد تزوجت في الجاهلية من عكرمة بن أبي جهل، وفي غزوة أحد، كان على عكرمة أن يقف في صفوف المشركين ويتصدى لسيف الله خالد، ولذلك أهدر النبي دمه، وكانت أم حكيم أسلمت قبله، فسألت النبي أمان زوجها إن جاء مسلما، فأمنه. وخرجت أم حكيم تبحث عن زوجها بعد أن فر هاربا، فوجدته على في اليمن، فأخبرته أنها استأمنت الرسول ليرجع لمكة وأخبرته عن موقف الرسول من أهل مكة وعفوه عنهم، وجعلت تحبب إليه الإسلام، حتى دخل فيه، ثم أظهر استبسالا عظيما في موقعة اليرموك التي استشهد فيها، ولم يكن مصاب أم حكيم هينا في اليرموك؛ فقد استشهد زوجها وأخوها ووالدها في نفس المعركة. تقدم بعد ذلك للزواج من أم حكيم، خالد بن سعد بن العاص، قائد المسلمين، الذي لم يمر على زواجه سوى يوم واحد حتى استشهد في موقعة "مرج الصفر" أمام أعينها، فما كان منها، إلا أن خلعت عمود الخيمة، وشدت ملابسها، وحاربت الروم جهادا وثأرا في آن، فقتلت سبعة منهم. وكان آخر زوج لها هو الفاروق عمر، بعد أن رأى شجاعتها، طلب منها الزواج، فوافقت وعاشت معه لسنوات حتى توفت بعد ولادتها فاطمة بنت عمر بن الخطاب.