إطلاق الأعيرة النارية في الأفراح.. عادة سيئة تنتهي غالبا بكارثة، فقبل أيام تمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على ثلاثة متهمين من بين 5 أشخاص تم تحويلهم إلى نيابة 6 أكتوبر لتورطهم في الحادث الأليم الذي أسفر عن وفاة طفل أكتوبر يوسف العربي، نجل الناشطة الحقوقية مروة قناوي، وإصابة طالبة أخرى جامعية في ذراعيها من جراء طلقات نارية طائشة أُطلقت من حفل خطوبة أُقيم فوق سطح أحد العقارات القريبة من ميدان الحصري في مدينة السادس من أكتوبر، ما تسبب في إثارة الفزع والخوف بين صفوف المواطنين في منطقة تجمع العديد من الأسر المصرية والسورية لتناول المأكولات والمشروبات من المطاعم المجاورة. بدون مقدمات، تحول الفرح إلى مأتم، والرقص والغناء إلى صراخ وعويل وبكاء، وحفل الزفاف إلى سُرادق عزاء كبير، والضحية طفل بريء في عمر الزهور، سقط مغشيًا عليه بين أقدام أصدقائه؛ نتيجة حفلة "ضرب النار" العشوائية المتكررة في الأفراح، وكثيرًا ما يتمسكون بها خلال سير "الزفة"، قبل قدوم العروسين إلى القاعة، لاستكمال مراسم حفل الزفاف، لكنه انتقل هذه المرة من القرى والنجوع إلى قلب المدينة. "ممنوع إطلاق الأعيرة النارية".. لافتة عريضة يضعها أصحاب قاعات الأفراح أعلى مدخل البوابة الرئيسية، تجنبًا للمساءلة القانونية أو إلقاء القبض عليهم وتحويلهم للتحقيق إثر إطلاق أحد أقارب العروسين النار في الهواء خلال مراسم الزفة وإصابة أحد الحاضرين أو المارة بالطلقات النارية الطائشة، وأحيانًا يُصيب الرصاص العروس ذاته بنيران صديقة. وتصف الدكتورة هدى زكري، أستاذ الاجتماع السياسي والعسكري، ما يحدث في الأفراح من استخدام الأعيرة النارية الآلية التي تبدأ بالخرطوش وتصل في بعض الأماكن بالصعيد إلى "الجرينوف" بالعادة المجتمعية السيئة، قائلة: "تلك العادة المصرية الخالصة قائمة منذ عقود طويلة وانتشرت أكثر عقب ثورة 25 يناير 2011 بعدما ضاعت هيبة القانون وأصبح البلاغ عن الأفراح التي يتم فيها استخدام الأعيرة النارية أمر لا يُعتد به". وأضافت أن هذه العادة بدأت في الصعيد الذي ينتشر به الثأر، وتحمل رسالة رمزية للعائلات الأخرى تعبر عن مدى التخلف الحضاري وتعكس المشاكل والخلافات المجتمعية القائمة التي تدفعهم للتهديد واستعراض القوة بما يتنافى مع ألوان الفرحة، مطالبة بتغليظ عقوبة استعمال سلاح ناري في الأفراح، لإيقاف نزيف الدم الذي يجري في شوارع ومحافظات مصر يومًا تلو الآخر دون محاسبة أو عقاب يتناسب مع حجم الجُرم المُرتكب. وأكد مصدر أمني ل"البديل" أن الاتهامات الموجهة للثلاثة أشخاص في واقعة قتل طفل أكتوبر الذي توفي أول أمس، تتمثل في حيازة سلاح ناري بدون ترخيص، والقتل بالخطأ، والتهمة الأولى "جنائية" عقوبتها تصل إلى المؤبد في بعض الأحيان، وفي المحاكم العسكرية عقوبتها مشددة تتجاوز الحبس 25 سنة (في حالة إذا ما كان السلاح آليًا)، أما إذا كان السلاح المُستعمل خرطوشًا، فإن العقوبة لا تزيد على عام، بينما القتل الخطأ ففي عُرف القانون يُعد بمثابة "جُنحة" ويحدث نتيجة لخطأ من المتهم، سواء كان في حادث سيارة أو أطلق الرصاص من سلاح في حفل زفاف، كما حدث في واقعة طفل أكتوبر. وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن المتهمين الهاربين أحدهما نقيب في محافظة الفيوم نجل مدير أمن بني سويف وحفيد صوفي أبوطالب، رئيس البرلمان الأسبق، والثاني نجل أمين لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، وجاري البحث عنهما وإحالتهما للنيابة للمحاكمة. وعن العقوبة، قال العميد محمود قطري، الخبير الأمني، إنها تختلف من قتل شخص أو قتل أكثر من شخص، فالعقوبة بنص المادة 238 من قانون العقوبات تقضي بالسجن مدة لا تقل عن عام ولا تزيد على 5 أعوام، والغرامة لا تقل عن 200 جنيه ولا تزيد على 500 جنيهًا أو بإحدى الغرامتين، مضيفا أن عقوبة (الجُنحة) تبدأ من الحبس 24 ساعة من 6 أشهر حتى 3 سنوات، وتكون تلك العقوبة في الإصابة الخطأ سنة مع إيقاف التنفيذ في بعض الأحيان، قائلًا: "لو أن هناك ما يبرر ذلك، فالعقوبة تندرج في القانون تحت بند إهمال غير متعمد لا يستوجب حبسهم الحد الأقصى". وأكد اللواء محسن حفظي، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن بعض حالات القتل الخطأ تستوجب عقابا أكبر، ويجب تعديل مواد القانون المتعلق بهذه الجريمة، فعندما يكون العقاب شديدا وقاسيا يتناسب مع الواقعة، فهنا يمكن الحد من الجرائم التي تحدث يوميا، وكذلك الأمر بالنسبة للقتل الخطأ الذي يحدث في الأفراح، الذي كانت آخر ضحاياه الطفل يوسف العربي. "هذا ليس عدلًا".. هكذا قال الحقوقي ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي طالب المُشرع بتغليظ عقوبة الجاني في حوادث القتل الخطأ بأن تعادل عقوبة القتل العمد، وأن تكون العقوبة مناسبة للجُرم، لإيقاف تكرار مثل هذه الكارثة التي تُرتكب يوميًا في حق المواطنين، مضيفا: "يجب حسم هذا الأمر، فليس معقولا أن يُنهي شخص حياة آخر بدعوى القتل الخطأ، وتكون عقوبته سنة والغرامة!".