مضى أسبوع حافل بالمفاجآت، كان المشهد الخارجي فيه متصدرًا جميع عناوين الصحف، بدءًا من القمة الإسلامية الأمريكية التي انعقدت بالرياض، مرورًا بالتصعيد السوداني ضد مصر الذي لا مثيل له من قبل، وصولًا إلى تصريحات أمير دولة قطر تميم بن حمد حول قضايا الشرق الأوسط والدول العربية، التي رغم نفيها رسميًّا، إلا أنها أشعلت الصراع الخليجي. قمة إسلامية أمريكية بحضور الكثير من رؤساء المنطقة العربية شهدت الرياض في بداية الأسبوع الماضي القمة الإسلامية الأمريكية، والتي كان أبرز المشاركين فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وأعلن فيها حزمة من الإجراءات والقرارات الصعبة، التي حدد فيها مستقبل السياسة الأمريكية في المنطقة المرحلة المقبلة. ودائمًا ما كانت الزيارات الأولى لرؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية للشرق الأوسط تحدد خطط تحركاتهم وتطلعاتهم تجاه قضايا المنطقة المشتعلة، حيث مهدت تلك الزيارات وفتحت الطريق لسياستهم المستقبلية، لذلك أراد الرئيس الحالي دونالد ترامب من هذه الزيارة وعقد القمة بالرياض تحقيق حزمة من الأهداف، تقول واشنطن إنها حققتها على أساس ما أسفرت عنه من نتائج كانت جيدة جدًّا، وهو ما صرح به جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، قائلًا إن «تقدمًا كبيرًا» تحقق في اتجاه الوصول لأهداف زيارة الرئيس دونالد ترامب للسعودية. ولمعرفة أول أهداف الزيارة، فإن ذلك يستدعي الرجوع إلى تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي أثناء حملته الانتخابية قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية، والتي أكد فيها على وجوب دفع الدول الحليفة وبالأخص السعودية «ثمن الحماية الأمريكية»، متهمًا إياها بعدم المساهمة بشكل عادل في كلفة الدفاع الأمريكي عنها، قائلًا «يجب دفع الدول (أتعاب الدفاع) أو (الخوة) لتلقيها الحماية من الولاياتالمتحدة من جديد»، ذاكرًا السعودية وعددًا من الدول الأخرى، ومكررًا تصريحات له بأنها «دولة ثرية». وكشف هذا التصريح الذي أطلقه ترامب هدف الرئيس الجمهوري الأول من الزيارة كرجل أعمال أمريكي لديه القدرة على التسويق لمنتجاته العسكرية والاقتصادية، حيث كان لديه مقدرة بأن يعود إلى بلاده باستثمارات وصفقات أسلحة سعودية تقدر بأكثر من 380 مليار دولار، تبلغ ثلث ما وعد به ترامب الشعب الأمريكي خلال الحملة الانتخابية. ولكن هذه الأسلحة ربما تضع أمام الجميع سؤالًا آخر، وهو ضد أي جهة ستستخدم الدول الخليجية والعربية المشاركة في القمة الأسلحة؟ حيث أعاد الإعلان في بيان القمة عن تشكيل قوة احتياط مكونة من 34 ألف جندي للمشاركة في عمليات داخل سوريا والعراق، وهو ما كشفته الصحف العربية والوكالات العالمية قبل أيام من القمة عن أن الهدف الأسمى لترامب هو إنشاء حلف عربي أمريكي، يضمن الاحتلال الإسرائيلي دور المراقب فيه؛ لاستهداف طموحات طهران ونفوذها في الشرق الأوسط، وهو ما أظهرته صحيفة هاآرتس الصهيونية وتصريحات ترامب بعد القمة، حيث كتبت الصحيفة العبرية تحت عنوان «في إطار خطة ترامب لتحقيق السلام، خطة التطبيع العربي مع إسرائيل تتشكل» أن «هناك تقدمًا نوعيًّا في الموقف العربي، وخاصة ذلك المتعلق بدول الخليج في النظرة إلى إسرائيل (أراضٍ محتلة منذ 48) التي لم تعد عدوة لهم، لتحل محلها إيران التي تشكل عدوًّا مشتركًا للعرب ولإسرائيل»، كما حث ترامب من داخل الاراضي المحتلة خلال زيارته لها على تعزيز تعاون إسرائيل مع جيرانها العرب ضد التهديدات التي توجهها إيران للمنطقة، بحسب قوله. ويعتبر هذا الهدف تزكية واضحة للفتنة المذهبية وإشعال الحرب بين العرب وإيران والقضاء على المقاومة الفلسطينية، حيث وضع الرئيس الأمريكي خلال زيارته كافة مقدمات الحرب: حلفًا عربيًّا إسرائيليًّا لمواجهة طهران تشارك فيه تل أبيب، عن طريق التنسيق الأمني وتبادل المعلومات وضبط الحدود، أسلحة ستوردها الإدارة الجمهورية لمنطقة الشرق الأوسط بمئات المليارات من الدولارات؛ لتوظيفها في الحرب السورية واليمنية والأزمة الليبية؛ بحجة مواجهة النفوذ الإيراني.. كل هذه المقدمات قد تشعل حربًا لا فائدة لها في المنطقة. ورغم أن مصر يبدو أنها ترفض الانسياق وراء هذا المخطط، لا سيما وأنها دائمًا ما تمتنع عن المشاركة بقوات في التحالفات الدولية في الصراعات المشتعلة بالمنطقة، وهو ما أظهرته كافة تصريحات الخبراء والمحللين بأن القاهرة لا بد أن تبتعد عن مثل هذه التحالفات، إلا أن الصمت الرسمي المصري إزاء التصريحات والقرارات التي صدرت عن القمة غامض وغير مفهوم، لا سيما وأنه دائمًا ما كانت الدول الخليجية وخاصة السعودية تطالب بانجرار القاهرة وراءها في الحروب الخارجية، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والأزمات الداخلية، وكان الأمر يقابل دائمًا بالرفض. تصعيد سوداني غير مسبوق شهد الأسبوع الماضي تصعيدًا سودانيًّا غير مسبوق ضد مصر، أعاد العلاقات المصرية السودانية المتذبذبة إلى نقطة عدم الالتقاء بشكل مريب، بعد صعود الرئيس السوداني على منبره متهمًا القاهرة بدعم حركات التمرد في دارفور ضده. ورغم نفي القاهرة مرارًا هذه الاتهامات، إلا أن تجديدها في ذلك الوقت من الجانب السوداني كان كالقشة الذي قصمت بعير العلاقات بعد أقل من أسبوع من تصريحات مماثلة عن حلايب وشلاتين، ولكن بيان القاهرة وتصريحات السيسي المهدئة بعض الشيء عكست بما لا يدع مجالًا للشك رغبة مصرية في احتواء السودان. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية المستشار أحمد أبو زيد أن مصر تحترم سيادة السودان على أراضيه، ولم ولن تتدخل يومًا فى زعزعة استقراره أو الإضرار بشعبه، معربًا عن أسفه لإطلاق مثل تلك الاتهامات، في الوقت الذي وظفت فيه مصر دبلوماسيتها علي مدار قرابة الخمسة عشر عامًا للدفاع عن السودان ضد التدخلات الأجنبية ومحاولات فرض العقوبات على المسؤولين السودانيين وإدانة الخرطوم في المنظمات والمحافل الدولية. ويأتي هذا التصعيد السوداني ضد مصر من عدة منطلقات، أولها الدعم القطري له، ثانيها توظيف الأزمة سياسيًّا في إطار حشد القوى السياسية والشعب السوداني وراءه، ثالثًا استغلال الوضع القائم في مصر، لكن لا يبدو في الأفق مجاراة القاهرة للخرطوم في هذا الاتجاه، لا سيما وأن لديها معركة أكبر، وهى المياه وقرب انتهاء سد النهضة الإثيوبي، الذي تحتاج فيه إلى استمالة الموقف السوداني. انقلاب تميم تصريحات أمير دولة قطر تميم بن حمد عن الدول العربية وإيران وقضايا المنطقة، رغم نفيها وتأكيد الدوحة أن وكالات الأنباء القطرية تم اختراقها، إلا أنها أثارت جدلًا واسعًا، وكشفت عن الصراع والخلافات الكبيرة داخل مجلس التعاون الخليجي بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى. وتأتي هذه الأزمة المتفاقمة والتي تستمر إعلاميًّا بين الجانبين بعد أيام قليلة من انعقاد القمة الإسلامية الأمريكية وتلويح إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بفرض قيود على قطر لدعمها للإرهاب، ولكن العلاقة الأمريكيةالقطرية التي كانت في سياق أكثر من حميمي في وقت سابق تكشف أن سبب فرض عقوبات على قطر وحشد العالم العربي ضدها بعيد عن الواقع والمنطق، لا سيما وأن الدوحة معروفة دائمًا بمواقفها الداعمة للجماعات الإسلامية المسلحة منها والسياسية المتشددة منها والسلمية. وكشف وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت جيتس، قبل يوم واحد من التصريحات المنسوبة لأمير قطر أن الدوحة تحاول أن تلعب دورًا دوليًّا أكبر من حجمها، في وقت تعتقد فيه العائلة الحاكمة أن الاستمرار في سياسة التناقضات قد يطيل عمر النظام ، مضيفًا أن «قطر تشكل -منذ وقت طويل- مكانًا للإخوان المسلمين، ولا أعتقد أن الدول الأخرى في المنطقة تستمر بهذا العمل وبالطريقة نفسها، وربما من وقت لآخر تتعرض لضغط كبير من جيرانها، وتقوم بطرد بعض قادة الإخوان المسلمين». والتصريحات المنسوبة لأمير قطر قال فيها إن «إيران قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة، وهو ما تحرص عليه قطر من أجل استقرار الدول المجاورة»، كما جاء في التصريحات أنه «لا يحق لأحد أن يتهمنا بالإرهاب؛ لأنه صنف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، أو رفض دور المقاومة عند حماس وحزب الله». ودعا آل ثاني «الأشقاء في مصر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين إلى مراجعة موقفهم المناهض لقطر، ووقف سيل الحملات والاتهامات المتكررة التي لا تخدم العلاقات والمصالح المشتركة»، حسبما جاء في الوكالة، مؤكدًا أن قطر لا تتدخل بشؤون أي دولة مهما حرمت شعبها من حريته وحقوقه.