لا يختلف كثيرون على أن حركات المقاومة العربية بشقيها اللبناني والفلسطيني، والتي حملت على أكتافها هموم الأمة العربية والإسلامية ومسؤولياتها الشرعية تجاه العدو الإسرائيلي، والذي تؤكد النصوص الدينية دون مواربة أنه أشد أعداء هذه الأمة، تعاني حاليًّا وأكثر من أي وقت مضى من هجمة شرسة، وهذه المرة لا تقودها إسرائيل وحليفتها أمريكا، بل تتم برعاية دول عربية وإسلامية، رعاية تهدف من خلالها إلى التلاعب بثوابت الشعوب العربية والإسلامية، بتحريف البوصلة من تحويل حركات المقاومة إلى ميليشيات إرهابية، وتحويل دفة الصراع من تحرير القدس من الرجس الصهيوني إلى الاعتداء على إيران الدولة ذات البعد الإسلامي والإقليمي والحضاري، فمهما اتسعت دائرة الخلافات السياسية معها، فلن يتعدى الأمر الصراع على مناطق النفوذ التي قبل العرب من قبل بالتفريط فيها منذ تقسيم الأمة عبر سايكس بيكو، كما أن الخلاف مع طهران يظل محكومًا بمجموعة من الضوابط والمشتركات، التي لا يجب التغاضي عنها، فالقبلة واحدة والكتاب واحد، بينما مع الكيان الصهيوني يبقى الصراع الأهم والأخطر، وهو الصراع على الوجود وعلى النفوذ أيضًا، فإسرائيل لا تخفي أطماعها التوسعية في المنطقة، ولا تُخفي أيضًا نظرة الاحتقار للشعوب العربية والإسلامية، فالصهاينة ما زالوا على قناعة بأنهم شعب الله المختار. وفي ظل الأوضاع المتذبذبة والماكينة الإعلامية العالمية التي تهدف إلى زعزعة اليقين بأحقية خيار المقاومة ضد العدو الصهيوني، تكتسب الذكرى ال 17 لعيد المقاومة والتحرير أهمية كبيرة. 25 أيار.. عيد المقاومة والتحرير على الرغم من البداية المتواضعة لحزب الله بعتاد عسكري قد لا يتعدى رشاشات الكلاشنكوف وبعضًا من صواريخ الكاتيوشا، والتي لم يراهن عليها الكثير من العرب، وتهكموا على تمسك حزب الله بخيار المقاومة من المناطق الجنوبيةللبنان وقدرته على دحر الجيش الإسرائيلي أقوى جيوش المنطقة، وهو الأمر الذي حدث بالفعل عام 2000، حيث عاد الجنوب الى لبنان محررًا دونِ قيد أو شرط، وبقيت القرارات الدولية الداعية لإنهاء الاحتلال حبرًا على ورق، الأمر الذي يعني أنه إذا أردت تحرير أرضك بشكل يحقق السيادة الوطنية الكاملة عليها، يجب الاحتكام إلى الخيار المسلح مع إسرائيل، ودون ذلك فاسترجاع الأرض، سواء عبر المفاوضات أو اتفاقيات السلام هو استرجاع شكلي وبسيادة منقوصة. بدأت عملية تحرير الجنوب يوم 21 أيار/مايو 2000، حيث أعلنت كتيبتان تابعتان لميليشيا جيش لحد "العميل" للكيان الصهيوني في القطاع الأوسط استسلامهما، ثم قام الأهالي باجتياح بشري مدعوم من المقاومة الإسلامية اللبنانية حزب الله، ولم تمنعهم الاعتداءات والقصف الذي قام به جيش الاحتلال آنذاك من تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم. بدأ التحرير من بلدة الغندورية باتجاه القنطرة، حيث دخل اللبنانيون عبر مسيرة ضمت حوالي مائتي شخص، يتقدمها عضوا كتلة الوفاء للمقاومة النيابية النائبان، عبد الله قصير، ونزيه منصور، ودخلوا إليها للمرة الأولى منذ سنة 1978، في وقت كانت ميليشيا جيش لحد قد انسحبت من مواقعها المتاخمة للبلدة، وكان ذلك مدخلًا لعودة الأهالي إلى البلدات الأخرى، كالطيبة ودير سريان وعلمان وعدشيت. في 22 مايو تم تحرير قرى حولا ومركبا وبليدا وبني حيان وطلوسة وعديسة وبيت ياحون وكونين ورشاف ورب ثلاثين. وفي 23 مايو تحررت بلدات بنت جبيل وعيناتا ويارون والطيري وباقي القرى المجاورة. وفي هذا اليوم اقتحم الأهالي معتقل الخيام، وفتحوا أبوابه، وحرروا الأسرى مع رحيل الاحتلال وعملائه. في 24 مايو تقدم الأهالي والمقاومون إلى قرى وبلدات البقاع الغربي وحاصبيا وقراها، أما في ليلة 24 مايو فكان الاندحار لآخر جندي إسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي، حيث أعلن يوم 25 أيار 2000 عيدًا للمقاومة والتحرير على لسان رئيس مجلس الوزراء الأسبق اللبناني الأسبق سليم الحص، وهنا لا بد من الإشارة للدور المقاوم الذي لعبه الرئيس اللبناني الأسبق، إميل لحود في عملية التحرير، فلحود من الزعماء اللبنانين القلائل الذين تمسكوا بسلاح حزب الله ودوره في المقاومة، ولم ينسق للدعوات المشبوهة لسحب السلاح، وتمسك بالمعادلة الذهبية للبنان "جيش-مقاومة-شعب". إسرائيل تتخلص من عملائها وبالنسبة لعملاء إسرائيل الذين باعوا ضمائرهم إرضاءً لأعداء وطنهم كجيش لحد، عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من المنطقة المحتلة في جنوبلبنان إبان فترة رئيس وزراء حكومة الاحتلال، إيهود باراك، عارضت قيادة جيش لبنانالجنوبي قرار الانسحاب. وهرب أعضاء جيش لبنانالجنوبي إلى الحدود الإسرائيلية، وظلوا يتوسلون بأن تُفتح الحدود لهم لاستقبالهم، الأمر الذي اضطر لأن يسلم بعضهم أنفسهم، أو يؤخذوا كمعتقلين على يد حزب الله، الذي سلمهم بدوره للسلطات القضائية اللبنانية، حيث تمت محاكمتهم. وحتى الذين تم استقبالهم من إسرائيل قرروا العودة للبنان، وتوقعت مصادر إسرائيلية أن تتدفق الغالبية الساحقة من عائلات عناصر ميليشيات لحد اللاجئة إلى إسرائيل، نحو الحدود مع لبنان طالبة العودة، وذلك بعد أن توصلت إلى القناعة بأن الإسرائيليين ليسوا معنيين بهم، ويعاملونهم بعنصرية ظاهرة وبإذلال. ملف جيش لحد يضيء على نقطة مهمة، مفادها أن تل أبيب وواشنطن لا تحتفظان بعملائهما، بل على العكس من ذلك يكونان أول من يسحقانهم حال اقتضاء مصالحهم ذلك، حتى الولاياتالمتحدة تخلصت من الزعماء العرب الذين استخدمتهم كرأس حربة لتمرير مخططاتها في المنطقة، فهي لم تُبقِ على صدام حسين والقذافي وغيرهما، بل تخلت عنهم بعد أن أصبحوا أوراقًا محروقة، وهو الأمر الذي يجب أن يتعظ منه كل حكام وقادة الدول العربية والإسلامية.